صفقة القرن تقدير موقف 22
آخر تحديث GMT 04:16:48
 فلسطين اليوم -

صفقة القرن: تقدير موقف (2-2)

 فلسطين اليوم -

صفقة القرن تقدير موقف 22

حسن خضر
بقلم : حسن خضر

أشرنا في القسم الأوّل إلى تضافر جملة عوامل إقليمية ودولية، وكيف أنجبت عالم اليوم، وكيف أوصلت الفاعلين الإقليميين والدوليين إلى ما هم فيه وعليه. كُتب القسم الأوّل قبل الإعلان عن "الصفقة" بيوم واحد. ويمكن حتى لعين كليلة أن ترصد التجليات المأساوية، والتركة المُرعبة، لكل ما ذكرنا، في مسرحية الإعلان عن "الصفقة" في البيت الأبيض. ففي المشهد ما يُحرّض على التفكير في أن

مُخرجاً سينمائياً، يتحلى بنزعة كلبية عالية، لم يكن ليعثر على تجسيد لفكرته، عن خفة التاريخ التي لا تحتمل، في مناسبة أفضل من هذه. كان في مشهد الكوميديا السوداء، تلك، ما يكفي لتجريد الأحداث التاريخية من كل مهابة مزعومة أو مُحتملة. ربما كان الأمر هكذا، دائماً، منذ وجود الإنسان على الأرض!! ومع ذلك، فإن "الأرض المقدّسة"، التي مرّت عليها أقوام وديانات وحضارات

وفتوحات وإمبراطوريات وجيوش، وتكسّرت فيها، وعليها، حراب ورايات، على مدار آلاف مؤلفة من السنين، تستحق أفضل من هذا، أو بالحد الأدنى أقل بذاءة منه. فالمشهد يبدو وكأنه انتُزع من فيلم من أفلام الخيال العلمي، مع مسحة كوميدية فاقعة، ومع ترامب، الذي غمز بعينه مرتين على الأقل، وصافح وربّت على ظهر ضيفه الإسرائيلي ما بين جملة وأُخرى، ومع حاضرين في القاعة، من

المحامين وتجّار العقارات، وبعضهم يبدو ككائنات فضائية. كان في هذا كله ما يبرهن على صدقية وصف الصعود الترامبي بـ "دايستوبيا مجتمع الفرجة في أكثر تجلياته كارثية". ولكن، ومع كل "الفرجة"، وخفة التاريخ التي لا تُحتمل، وتصريح ترامب في كلمته الافتتاحية عن الأرض، التي "سيقرر منحها لإسرائيل"، والتي ستطيل عمر الصراع في فلسطين وعليها، وفي الشرق الأوسط، مائة

عام مما تعدّون، لم تكن "الصفقة" من صنع يديه، ولا من صنع زوج ابنته، الذي تباهى بأنه قرأ 25 كتاباً (أغلبها روايات بوليسية، على الأرجح، فالسفر إلى الشرق الأوسط يستغرق ساعات طويلة)، بل كانت من صنع ضيفه الإسرائيلي. يستدعي الكلام عن إسرائيل اليمين القومي ـ الديني، الآن وهنا، معالجة منفصلة، بالتأكيد، ولكن "الصفقة" تحمل دلالة يمكن أن تُختزل في العبارة الإنكليزية

(Winner takes all)، الرابح يأخذ كل شيء. هذه الدلالة تصدر عن أمر وتتجلى في آخر، ولكنها تقود إلى نتائج مختلفة، ومتضاربة، بالضرورة.  تصدر عن إحساس بصعود القوّة الإسرائيلية في الشرق الأوسط، وما تنطوي عليه من وهم "السلام الإسرائيلي"، على غرار "السلام الروماني" والبريطاني والأميركي. وتتجلى في فرض نظام الأبارتهايد على السكّان الأصليين في غيتوهات مقطّعة

الأوصال، وتقود إلى نتائج من بينها تأبيد الصراع لا حله. الناس، عموماً، في الشرق والغرب على حد سواء، "يعبدون" القوّة، ولا شيء يفتنهم أكثر من النجاح. وقد حقق الإسرائيليون الأمرين. وهذا، مرئياً، على خلفية قلق وجودي يجتاح الكثير من النخب العربية المُهيمنة والحاكمة بعد الربيع العربي، وداعش، والحروب الأهلية، وصعود القوتين التركية والإيرانية، وضمور النفوذ الأميركي، ما

يسوّغ للبعض الاحتماء بالإسرائيليين. ومع ذلك، ومع وضع "القوّة" و"النجاح" في الحسبان، وكذلك وجود منافسين أقوياء كتركيا وإيران، إلا أن طموح فرض "السلام الإسرائيلي" في الشرق الأوسط، وعليه، يبدو تأويلاً سيئاً، ومُتسرّعاً، لدلالتي "القوة" و"النجاح". فلا التعاون الاستخباري والعسكري، والتكنولوجيا المتطوّرة، والنفوذ في واشنطن، والتجارة، و"المصالح" المشتركة، يمكن أن تكون

ضمانة كافية لتعويم وتعميم سلام كهذا، لأن حماية نخب مهيمنة وسائدة تعني مناصبة شعوبها، المُطالبة بعقد اجتماعي جديد، العداء. وهذا ينفتح، للمرّة الأولى، منذ بدء الصراع الفلسطيني والعربي ـ الإسرائيلي، على إضافة عنصر جديد إلى معادلة العداء القومي. فالمسألة لن تقتصر على تشخيص "مشكلة" الشعوب العربية مع إسرائيل بوصفها ترجمة لمشاعر قومية، وروابط تاريخية، ومُحرّضات

دينية وثقافية، أو هذه الأشياء مجتمعة، بل ستُعيد الاعتبار إلى أفكار وشعارات قديمة سقطت من التداول، منذ عقود، ومفادها أن قضايا التحرر الوطني والقومي في العالم العربي واحدة، وأن إسرائيل التي كانت توصف في الماضي بوكيل للسيد الإمبريالي أصبحت الآن هي السيد نفسه الحامي للطغاة. والمفارقة، التي لن يفشل في اكتشافها كل مطلع على تاريخ إسرائيل، الفكرة والدولة، أن آباء

المشروع تصوّروا، وصوّروا، وجوده الدولة، في معرض التسويق والتسويغ، كسد للحضارة الغربية في وجه البربرية الآسيوية، ولكن خفّة التاريخ التي لا تحتمل تبني طموح تكريس "السلام الإسرائيلي" على فرضية، التحالف مع "البربرية" الآسيوية، وحمايتها، وضمان ديمومتها، وترى في الشعبويات، والقوميات الغربية البيضاء، والمسيحيين الإنجيليين حليفاً في فرض مشروع السلام.

أعرف أن كل ما تقدّم لا ينتمي، في جانب كبير منه، إلى لغة ومفردات توقعنا في القسم الأوّل أنها ستحتل المتن في كل نقاش مُحتمل لـ "الصفقة" في "اليوم التالي". وأننا ابتعدنا عن "تقدير الموقف" بمعنى معالجة، والرد على، أسئلة من نوع ما العمل. ومع ذلك، ثمة ما يبرر ألا تغيب أشياء كهذه لتوسيع أفق السجال في موضوع "الصفقة". فالكلام عن خفة التاريخ التي لا تحتمل لا يعني الوقوع في

غوايتها. ولدينا، على أي حال، أسابيع قادمة كثيرة، في سياق معالجة جوانب مختلفة، ينبغي أن تشكّل، مجتمعة، فرضية رئيسة بشأن قضية لا تقبل التصفية.

قد يهمك أيضا : 

 سيناريو اليوم التالي في إيران..!!

   كلام على هامش سيداو..!!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صفقة القرن تقدير موقف 22 صفقة القرن تقدير موقف 22



GMT 22:40 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... وما ورائيات الفوز الكبير

GMT 21:38 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

سيمافور المحطة!

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 21:34 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

«بكين» هل تنهي نزاع 40 عاماً؟ (2)

GMT 21:32 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

ماذا حل بالثمانيتين معاً؟

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 02:22 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

أبل تقلّل أداء الموديلات القديمة للحفاظ على البطارية

GMT 14:47 2017 الأحد ,29 تشرين الأول / أكتوبر

فوزي غلام يستمر مع نابولي ويجدد لفقراء الجنوب

GMT 08:57 2014 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

نصائح إيمي تشايلدز لتعيش حفل رأس سنة مميز

GMT 08:55 2015 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ترشيح ثلاثة مدربين لقيادة نادي "اتحاد الشجاعية"

GMT 20:31 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

"أسرة فيلم الفيل الأزرق2" تنتهي من تصوير العمل بعد أسبوعين

GMT 07:59 2018 الخميس ,27 كانون الأول / ديسمبر

السياح يغلقون فنادق موسكو في أعياد رأس السنة الجديدة
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday