في وصف الراكب
آخر تحديث GMT 12:11:16
 فلسطين اليوم -

في وصف الراكب..!!

 فلسطين اليوم -

في وصف الراكب

حسن خضر
بقلم : حسن خضر

كانت النيّة، في معالجة اليوم، تسليط مزيد من الضوء على المرجعيات النظرية لجماعات وأفراد في أقصى اليمين الأميركي والغربي. ولكن بما أن فكرة «ركوب النمر»، التي تناولنا بعض جوانبها، في معالجة سبقت، تتفاعل في أميركا الترامبية بطريقة فريدة، وربما غير مسبوقة في التاريخ الأميركي نفسه، وتتجلى على شاشة التلفزيون، وفي نشرات الأخبار، بعد مقتل جورج فلويد، كنوع من الصلصال الحار، الذي لا يكف عن التشكّل، فمن المنطقي الكلام أكثر عن الراكب.

ولن أُعيد، حرصاً على المساحة، فكرة «ركوب النمر»، التي نالت معالجة مقتضبة، وعادلة، على الأرجح، في مقالة الثلاثاء الماضي. كل ما في الأمر أن «مكر» التاريخ، وكلبيته، وطريقته في «سخط» الأفكار، والكائنات، لم تكن لتتجلى، وبهذا القدر من البراعة والبشاعة، حتى في أكثر أنواع الخيال عبثية وكافكاوية، كما تتجلى الآن في ترامب.

بكلام آخر، تتجلى في «راكب النمر»، الذي يُراهن عليه اليمين القومي ـ الديني، الأبيض ـ الإنجيلي، والفاشي، في أميركا والغرب لتدمير النظام الديمقراطي، ويراهن عليه نتنياهو، مُعلّمه في الواقع، لحسم الصراع في فلسطين وعليها مرّة واحدة وإلى «الأبد». والأبد، من حسن الحظ، طويل جداً.

وإذا كان ثمة ما يبرر، هنا، التذكير بالصلة التي أقمتها (كما فعل غيري، أيضاً) بعيد فوزه بالرئاسة، بين ترامب ومجتمع الفرجة (بلغة غي ديبور) الذي أنجبه، إلا أن الصلة التي تبدو في سياق معالجة نظرية، إلى حد ما، باردة ومحايدة، لا تستنفد كل دلالات الرعب، والعدمية، وموت المعنى، التي أسفر عنها فعل الإنجاب.

وأعتقد أنني لن أتمكن من القبض على دلالات كهذه دون الاستعانة بوسيلة إيضاح تمثلها عبارة لحنّا راندت عن الكذب في السياسة. تقول في مقالة نُشرت في خمسينيات القرن الماضي: «المشكلة مع الكذب والخداع أن فعاليتهما تعتمد كلياً على فكرة واضحة عن الحقيقة، التي يريد الكاذب والمُخادع طمسها، وبهذا المعنى فإن للحقيقة وإن لم تسد على الملأ بين الناس أولوية على كل أنواع الزيف».

كلام بديع. يصلح كمصدر لحصانة وتفوّق أخلاقيين بالنسبة للعاملين في الحقل الثقافي، إذا أدرك هؤلاء أن جانباً من فعاليتهم، وجدوى وجودهم، يتمثل في قول الحق في وجه السلطة (بتعبير حبيبنا إدوارد سعيد). ومع ذلك، كلّما تعلّق الأمر بترامب، وبقدر ما أرى، يتمثّل مصدر الرعب في حقيقة أن المذكور يعتقد بأنه لا يمارس الكذب والخداع. فهو لا يملك «فكرة واضحة عن الحقيقة» التي يريد طمسها. وقيمة الصدق نفسها، أدنى مرتبة كمعيار في علاقته بالواقع، من معيار المنفعة، خاصة إذا كانت شخصية، وكان فيها يُشبع حاجة تبدو مرضية، تماماً، لدغدغة الأنا، وتضميد جراح نرجسية.

لن يفشل أحد، بطبيعة الحال، في إثبات كذب وخداع المذكور. ومن حسن الحظ أن جريدة الواشنطن بوست (وهي حوت كبير)، قد خصصت على صفحاتها زاوية يومية لإحصاء أكاذيبه ومراوغاته، التي بلغت منذ وصوله إلى البيت الأبيض، وحتى مساء يوم أمس (الاثنين) 19127 كذبة ومعلومة خاطئة، ومحاولة تضليل.

ويعنيني، من الشواهد الموحية، في كتاب بوب ودورد «الخوف: ترامب في البيت الأبيض»، الكلام عن لقاء جمعه ببانون، وخبير جمهوري في الانتخابات، لبحث ترشّحه للرئاسة على قائمة الجمهوريين (تنقّل أكثر من مرّة بين عضوية الحزبين الجمهوري والديمقراطي). قالا له: لن تتمكن من الترشّح، على قائمة الحزب الجمهوري، لأنك تؤيد الإجهاض. قال أنا لا أؤيد الإجهاض. قالا له: ولكن لك، في الماضي، تصريحات موثّقة بالصوت والصورة. قال: وهل يمكن «تزبيط» الأمر؟ قالا: يمكن. قال: حسناً، أنا ضد الإجهاض، إذاً.

لم يكن ترامب في الحادثة المذكورة، وهي غيض من فيض، معنياً بشيء غير ما يحقق مصلحته الشخصية. وهذا، عموماً، ما تصفه لغة السياسة بالانتهازية، ولغة الأخلاق بموت الضمير. ورغم الدلالة السلبية، تماماً، والمُنفّرة، لصفات كالانتهازية، أو موت الضمير، إلا أن ما لا يحصى من الناس يفعل هذا، أو ما يشبهه، بطريقة أوتوماتيكية أحياناً، لتدبير لقمة الخبز، أو الفوز بالوظائف، أو النجاة من غول الطغيان في ظل أنظمة شمولية.

ولكن ما يصدق على ما لا يحصى من بني البشر لا يصدق، بالضرورة، وللأسباب نفسها، على شخص وُلد لعائلة مهاجرين. كان الجد حلاّقاً، ويُقال اشتغل في مهن «غير شريفة»، وكان الأب مقاولاً عصامياً يكره السود، ويحرص، كما سيتعلّم الابن في وقت لاحق، على «تزييت» دواليب السلطات المحلية، وممثلي الجمهوريين والديمقراطيين، للحصول على التراخيص والتسهيلات اللازمة في مجال العقارات.

حتى هذا كله، يبدو مفهوماً، ولا يبرر الكلام عن دلالات الرعب، إلا مرئياً على خلفية رفض مجتمع كبار الرأسماليين والعائلات العريقة (بيض ـ بروتستانت ـ أنجلو ساكسون) في نيويورك، وغيرها، الاعتراف بالأب، ولاحقاً بالابن، كأعضاء طبيعيين في نادي النخبة. وقد شاءت أقدار مُفزعة أن يكون الابن مريضاً بنفسه، وأن يصيبه فشل الالتحاق بالنخبة، والحصول على اعترافها، بجراح نرجسية لم تندمل.

وبهذا نكون قد اقتربنا من دلالات الرعب، عن طريق التاريخ العائلي، أيضاً. فقد نشأ دونالد ترامب في بيت يشتغل صاحبه في سوق العقارات، وعمل عند أبيه محصلاً للإيجارات، ومشرفاً على أعمال الصيانة، ولم يبد اهتماماً بغير تسريحة الشعر، ولون السيارة، والعلاقات النسائية في وقت لاحق. لم تلفت انتباهه حركة الحقوق المدنية، أو الحرب في فيتنام، وكلتاهما تجربة تكوينية أولى لبني جيله من الأميركيين. ولنا عودة إلى أميركا ما بعد الحرب الثانية، ونشوء التلفزيون، و»صرعة» أخبار وفضائح المشاهير.

قد يهمك أيضا : 

كلام على هامش سيداو..!!

   الزمن دائريٌ، والماضي مستقبلٌ في الانتظار..!!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في وصف الراكب في وصف الراكب



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

تارا عماد تتألق بإطلالات عصرية ملهمة لطويلات القامة من عاشقات الموضة والأناقة

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 06:02 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 13:42 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 19:16 2020 الإثنين ,04 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 14:22 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 07:37 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 07:39 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 22:52 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

GMT 01:41 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 05:58 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 18:41 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

أميركا توسع قائمة العقوبات ضد إيران
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday