مع تشكيل حكومة حسان دياب، يكون لبنان قد دخل في مرحلة سياسية جديدة على مستوى التحالفات والتقاطعات والتموضعات، على اعتبار أن هذه المرحلة تشكل جزءاً لا يتجزأ من انتفاضة 17 تشرين الأول. فهناك مشهد جديد يشق طريقه، إن كان على مستوى المكونات السياسية التي تشارك في الحكومة وهي إن كانت من لون واحد، ولكن يبدو أن هناك صراعاً على النفوذ سيكون داخل
الحكومة، أو لجهة الأحزاب التي عزفت عن المشاركة في الحكومة- تيار المستقبل ،القوات اللبنانية-، أو لجهة الحراك الشعبي الذي يرفض هذه الحكومة، ويناوشها بنشاط لافت، أو من ناحية «المراهقات الثورية»، التي حولت ساحات بيروت من مطلب جامع للبنانيين، إلى ما يشبه منحدراً هوى إليه بعض الحراك الشعبي إلى قعر اللعبة السياسية، بشكلها الفج والعنيف، الذي يخاطر بمصير
لبنان. فلم يكن العنف الذي شهدته شوارع وسط العاصمة في الأيام الماضية مفاجئاً، المفاجأة كانت في حجمه، موقعه ودوافعه، ولم يكن ضد ممتلكات عامة أو خاصة، بل كان بنظر المحتجين ضد ممتلكات للدولة، فأصبحت ساحة مجلس النواب، ساحة معركة بين الانتفاضة والسلطة.. وساذج من يعتقد أن ما حدث في وسط بيروت، هو ردة فعل طبيعية من شعب أوصلته الطبقة الحاكمة،
بأجنحتها المختلفة، إلى هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة. ما جرى، لم يكن بريئاً، وكانت هناك جهات غير بريئة تقف وراءه. ورغم صورة حكومة حسان دياب الجميلة – مشاركة 6 سيدات فيها منهن وزيرة دفاع – والشهادات الجامعية العالية لوزرائها، فإنها لا تلغي حقيقة أنها حكومة حزب الله -. وإنها حكومة اللون الواحد، حيث القوى السياسية انزاحت بفعل الانتفاضة الشعبية، وأرسلت
مندوبيها –التكنوقراط. لقد رفع الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله سقف المواجهة مع واشنطن، بعد اغتيال اللواء قاسم سليماني، ربما أعلى من السقف الذي رفعه الإيرانيون أنفسهم، لكنه عملياً نأى بلبنان عن أي مغامرة قد تقود إلى كارثة، وليس هناك أي شكّ في أن ولادة حكومة حسان دياب تمت بفضل «حزب الله». والساعات التي سبقت ولادة هذه الحكومة تميزت بـ «قرع لجرس
الإنذار»، هدّد به الحزب حلفاءه الذين اشتبكوا على حصصهم داخل الحكومة. ولم ير حسان دياب غضاضة بأن يجاهر بشكر حزب الله عما فعله الأخير كي تبصر الحكومة العشرينينة النور.
لقد وقع الخيار على حسان دياب، الآتي من الجامعة الأميركية، مع وزرائه الذين هم في معظمهم من التكنوقراط، والذين يحملون مواصفات ومخزونات ثقافية وأكاديمية ومهنية وثيقة الارتباط
بمؤسسات أميركية وأوروبية غربية. ويعتقد كثيرون أنّ هذه التشكيلة، بكثير من وجوهها، كانت ستُعتَبر تكنوقراطية ومقبولة لولا أنّ القوى السياسية هي التي سمَّتها وتمون عليها وتريد التحكّم بسلوكها وقراراتها في مجلس الوزراء، كما تحكمت دائماً بوزراء الحكومات السابقة. ولذلك، يجتهد دياب كثيراً لـتسويق حكومته في الأوساط الدولية على أنها حكومة مستقلة سياسياً، فيما يدور نقاش
عميق في العواصم الدولية والعربية النافذة حول ما إذا كانت هذه الحكومة مقبولة أم لا. وفي هذا الشأن، هناك مقاربتان في الأوساط الدولية ذات الشأن: الأولى، تقول إن ما جرى ليس سوى عملية تمويه، ووضع مساحيق تجميل على شكل قبيح، ولا تستحق أن تقابل بوقف الضغط ورفع الفيتو عن لبنان، بل تستوجب الذهاب إلى خطوات أعلى. والثانية، ترى أنّ مجرد إزاحة القوى الحزبية عن
السلطة والاستعانة باختصاصيين هو فرصة يجدر تقديرها والبناء عليها لمنح لبنان مهلة اختبارية، وخصوصا أنها الحكومة الأولى الخالية من الوجوه السياسية والحزبية العتيقة، والتي نجحت في إزاحة رموز الطوائف والأحزاب التقليدية، في الشكل على الأقل. وفي الانتظار، يريح القوى الدولية ظهور مواقف مبكرة عن الحكومة الجديدة تؤكد أن لا مسّ بأركان الاستقرار الحقيقي، ولاسيما منها قيادة
الجيش وقوى الأمن الداخلي، أو بالمرجعيات المعنية بقطاعات المال والمصارف والقضاء ومؤسسات الرقابة. ولكن الجميع ينتظر الإشارة الخضراء من واشنطن، انطلاقاً من إشارات وزير الخارجية مايك بومبيو قبل يومين، التي أظهرت اتجاهاً للمضي في استخدام سياسة العصا والجزرة. كما أن هناك محاولات لتصوير تشكيلة الحكومة اللبنانية على أنها إنجاز للتيار البرتقالي العوني، مع وضع يده
على وزارات: الدفاع والخارجية والطاقة والعدل، لكن الذي حدث، أن هناك قلقاً كبيراً بات يعتري جبران باسيل، بفعل المسار الذي سلكته الحكومة حتى لحظة خروجها النور، وتأثير ذلك على حظوظ باسيل الرئاسية، وهو الذي يحضر نفسه لمعركة الوراثة السياسية. فلأول مرة منذ لقاء فرنجية ــــ الحريري في باريس، ومن ثم التسوية الرئاسية والانتخابات النيابية، يخسر باسيل ورقة أساسية أمام
حليف حزب الله، خصمه المسيحي والشمالي والرئاسي. – سليمان فرنجية- فوقوف فرنجية علانية بحدة في وجه باسيل، واتهامه بأنه شجع ويريد الاستحواذ على الحكومة وعلى الثلث المعطل، تبناه حزب الله علانية، للمرة الأولى، بهذا الوضوح، فخسر باسيل في اللحظات الأخيرة من المفاوضات الحكومية، ووقف حزب الله مع فرنجية. هذا التصرف ليس أمراً عابراً، لأنه يعني في مكان ما أن
الموضوع يتعدى خسارة مقاعد وزارية لصالح فرنجية، أو خسارة الثلث المعطل، بل هو مؤشر إلى ما ستؤول إليه المعركة الرئاسية، ووجهة حزب الله فيها. كذلك يقلق جبران باسيل، ارتفاع منسوب الموالين لسورية في الحكومة الجديدة، وهذا يحصل للمرة الأولى منذ عام 2005، ووجود مرشح رئاسي أيضاً هو الوزير دميانوس قطار، لم يستطع جبران باسيل إبعاده منها. إضافة الى أن باسيل
ورغم تقاطع المصالح أخيراً بينه وبين الرئيس نبيه بري، يجد نفسه مرة أخرى في وجه مجموعة من الحلفاء داخل الحكومة لا يكنّون له وداً كبيراً. ناهيك عن أن شبكة المصالح داخل الحكومة من الآن وصاعداً، ومنها حصة رئيس الحكومة نفسه، ستكون ثقلاً لا يستهان به في وجه باسيل، وسط مزايدة رئيس الحكومة بصلاحياته، ورغبة فريق سياسي متفلت من وصاية باسيل على التصرف بهامش
حرية كبير لم يكن متاحاً في السابق.
قد يهمك أيضا :
عن سورية المتجانسة!
حكومة دياب والمهمة المستحيلة