أميركا تتنفس بصعوبة
آخر تحديث GMT 12:11:16
 فلسطين اليوم -

أميركا تتنفس بصعوبة

 فلسطين اليوم -

أميركا تتنفس بصعوبة

عبير بشير
بقلم : عبير بشير

لم تمض أيام قليلة على استضافة المرشّح الديمقراطي إلى الرئاسة الأميركية، جو بايدن من قبل الإعلامي الأميركي-الأفريقي الشهير المعروف باسم «شارلمان ذا غاد». حين أحرج الأخير بايدن بالأسئلة، قال المرشّح : «إن كانت لديك مشكلة في معرفة ما إذا كنتَ معي أو مع ترامب، فإذاً أنت لست أسود.»  حتى اندلعت تظاهرات عنيفة في أمام البيت الأبيض، وفي العاصمة واشنطن، وعشرات المدن الأميركية، احتجاجاً على قتل جورج فلويد- من أصحاب البشرة السمراء، بعدما خنقه الشرطي ديريك شوفين، وهو يجثو بركبته على عنقه، والأخير يصرخ بأنه لا يستطيع التنفس. في حين وصف ترامب المتظاهرين باللصوص، وهدد باستخدام الجيش الأميركي لقمع التظاهرات.

ولم تكن الفوضى العارمة التي أحدثها مصرع فلويد على يد شرطة «مينيابوليس» إلا كاشفة لحالة الاضطراب العميقة في بنية النظام السياسي والاجتماعي والأمني الأميركي. وليس دقيقاً أن ترامب هو من تسبب في الفوضى بل هي الفوضى التي تسببت في صعود ترامب. وما كانت حادثة قتل فلويد في مينيسوتا ووصول ترامب إلى سدة الرئاسة، إلا وسيلة للتعبير عن عمق تشتت الروح الأميركية وانقسامها.
وتؤكد الانفجارات المتتالية للصراعات العنصرية في الداخل الأميركي حقيقة «تكافؤ الأضداد في الروح الأميركية الواحدة»، بمعنى أن الأميركيين مصابون بازدواجية أخلاقية قاتلة تجعلهم يقبلون على فعل الشيء ونقيضه، والإشارة إلى الطريق والسير في الاتجاه المعاكس له، والإيمان بتلك القيمة والتنكّر لها....الإيمان بالعدالة والتنكر لها، الإيمان بالمساواة والتنكر لها، والصراع بين القومية المدنية، والقومية العرقية.
ومن هنا تأتي أهمية عدم معقولية النظر إلى حادثة فلويد بعيداً عن هذا المناخ الأميركي العام وتشوّش مقومات العقد الاجتماعي الأميركي.
ورغم أن الولايات المتحدة تسوّق نموذجها كديمقراطية فيدرالية تتجدد من خلال انتخابات تتنافس فيها المصالح المتنوعة للمواطنين، وتوازن سياساتها جماعات الضغط بميولها المتنوعة، ثم تتحقق الحدود القصوى لمفهوم الحقوق والحريات من خلال جماعات الحقوقيين الذين يصونون المجتمع المدني في قضايا كثيرة عابرة للعرق والدين مثل قضايا المرأة، البيئة، المثلية، السلاح.
إلا أن البيئة السياسية المضطربة في الولايات المتحدة قد تكون من بين أهم التهديدات التي تواجه هذه الدولة العظمى وتضعف قدرتها التنافسيّة مع نظيراتها.
وكتب أستاذ في جامعة برينستون، أن الواقع الأميركي اليوم هو أسوأ من أجواء 1968 إبان حركة الحقوق المدنية. وقارن بين الحالتين، فوجد نقاط تشابه كالعنف في الشوارع وقسوة الشرطة ضدّ الأميركيين-الأفارقة. لكن في مقابل رئيسين مثل ليندون جونسون وريتشارد نيكسون، لا يهتم الرئيس الحالي دونالد ترامب بالحوكمة الجيدة، في حين أن تدهور الوضع الاقتصاديّ والصحي أسوأ من تلك الحقبة، حيث توفي أكثر من مئة ألف أميركي بسبب «كورونا» في مقابل خمسين ألفاً بسبب حرب فيتنام، كما أن الأداء الاقتصاديّ اليوم أكثر انهياراً.
وأثرت جائحة كورونا على الأميركيين السود بشكل غير متكافئ، إذ يعدون أكثر عرضة للإصابة والوفاة جراء كوفيد-19 مقارنة بالمواطنين من العرق الأبيض. وفي حين لا يمثل الأميركيون السود سوى 12 في المئة من مجموع سكان الولايات المتحدة، إلا أنهم يشكلون، وفق مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، حوالي 26 في المئة من حالات الإصابة بالمرض الجديد وما يقارب 23 في المئة من الوفيات التي وصلت إلى 104 آلاف.
ولكي نفهم المشهد الأميركي بشكل عميق، يتعين علينا أن نعرج على كتاب الفيلسوف الفرنسي، روجيه غارودي «أميركا طليعة الانحطاط»، وفيه إشارة إلى ما يسميه «الديمقراطية... الخدعة الأميركية الكبرى»... ؟ فبحسب غارودي، دائماً ما كانت الديمقراطية الأميركية، ستار يخفي وراءه حقائق ظالمة، فإعلان الاستقلال، على سبيل المثال، الخاص بالولايات المتحدة، ينص على المساواة في الحقوق بين المواطنين جميعاً. غير أنه وعقب هذا الإعلان الحاسم، تم الحفاظ على العبودية بالقانون لمدة زادت على قرن، وما زالت التفرقة العنصرية ضد السود باقية حتى الآن، وعليه تبقى أميركا عند غارودي «دولة الديمقراطية للبيض»، لا «للسود أو الهنود». فالرجل الأبيض الذي استعمر أراضي الهنود الحمر خلق تقسيماً على أساس الأصل والعرق، والدين والطبقة، والمركز والوضع الاجتماعي، الأمر الذي يشير إليه المفكر الأميركي، صموئيل هنتنغتون، في مؤلفه «من نحن... المناظرة الكبرى حول أميركا».
وهناك شيء ما غير معلن بشكل كبير يتوارى خلف مخاوف الرجل الأبيض في الداخل الأميركي وهو تنامي أعداد الأقليات، وفي المقدمة منهم الأميركيون الأفارقة بنوع خاص. يتوازى ذلك، مع تنامي التيارات اليمينية في الداخل الأميركي، تلك التي بلغ الشطط ببعضها قديماً، كما الحال مع جورج روكويل، مؤسس الحزب النازي الأميركي سنة 1958، للتخطيط للاستيلاء على الحكم في البلاد، وإن كان اغتياله قد قطع الطريق على مسيرته، إلا أن أفكاره كانت ولا تزال يؤمن بها عدد غير قليل من الأميركيين، وهي منبثقة من عمق طروحات وشروحات النازية الهتلرية، وفي المقدمة منها ترحيل الأميركيين من أصول أفريقية، وإعادة كتابة الدستور الأميركي بصورة قومية متطرفة. ولم يتوقف الأمر عند حدود الحزب النازي، إذ لا تزال هناك حركات عنصرية أخرى تؤمن بتفوق العرق الأبيض.
وأخطر ما يجعل الصور الأميركية الآن محتقنة، ولا تتنفس، هي حالة اللاعدالة، أو بمعنى أكثر دقة، اهتزاز الثقة في النظام العدلي الأميركي.. فهناك من يرى أن فيروس العنصرية قد تسرّب بشكل أو بآخر إلى قلب مؤسسة القضاء الأميركي، التي باتت تغلّظ أحكامها ضد السود بنسبة 20 في المائة مقارنة بنفس الأحكام التي تصدرها ضد البيض على نفس الاتهامات.
لكن هناك من يرى أن موجة الاحتجاجات العارمة التي اجتاحت الولايات المتحدة على خلفية مقتل فلويد قد جرى تسييسها إلى حد بعيد، واستغلالها للتصويب على ترامب ومحاصرته، فحين قتل المواطن الأميركي من أصول افريقة مارتن براون بإطلاق نار من الشرطيّ الأبيض دارن ويلسون في آب 2014، لم يتوجّه المتظاهرون المنضوون تحت ألوان مختلفة من «اليسار» الأميركيّ إلى البيت الأبيض حين كان باراك أوباما سيّده.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا تتنفس بصعوبة أميركا تتنفس بصعوبة



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

تارا عماد تتألق بإطلالات عصرية ملهمة لطويلات القامة من عاشقات الموضة والأناقة

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 06:02 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 13:42 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 19:16 2020 الإثنين ,04 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 14:22 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 07:37 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 07:39 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 22:52 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

GMT 01:41 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 05:58 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 18:41 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

أميركا توسع قائمة العقوبات ضد إيران

GMT 21:49 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

انتقال النسخة الـ23 من بطولة كأس الخليج إلى الكويت

GMT 16:12 2016 الخميس ,30 حزيران / يونيو

أجنحة الدجاج بالليمون والعسل

GMT 09:12 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

استبعاد تاج محل من كتيب السياحة الهندي يُثير السخرية
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday