في دلالات خطة ترامب
آخر تحديث GMT 21:12:46
 فلسطين اليوم -

في دلالات خطة ترامب

 فلسطين اليوم -

في دلالات خطة ترامب

عبد المجيد سويلم
بقلم :عبد المجيد سويلم

لم يعد صعباً على أحد منا تقديم قراءة سياسية لما تضمنته خطة الرئيس ترامب في الابعاد السياسية المباشرة لهذه الخطة، ولم يعد صعباً الوقوف على كافة المدلولات العملية التطبيقية لها. فقد أضحى واضحاً وضوح الشمس أن الخطة تقزّم الاهداف الوطنية للشعب الفلسطيني وتختزلها في حكم ذاتي على أقل من نصف مساحة الضفة، اضافة الى قطاع غزة وبعض احياء القدس الشرقية والمناطق التي

سيتم توسيعها باتجاه النقب. وهذه المساحة بالذات ما زالت «سائلة» وقابلة للتغيير والتبديل ـ على ما يبدو ـ حسب سير العملية السياسية التي تقترحها الخطة، بما في ذلك اقتراحات تبادل السكان مع جنوب المثلث وصولا الى منطقة وادي عارة. على أن الأهم هنا هو أن «الكيان» الفلسطيني المقترح ليس له أي سيادة باستثناء درجة معينة من الادارة الاجتماعية والاقتصادية على سكان هذه

الجغرافيا المتناثرة ومقطعة الأوصال في الواقع في ضوء السيطرة الأمنية الاسرائيلية عليها، وفي ضوء «حق» اسرائيل للدخول اليها والتدخل فيها وفق الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية.
وفي قراءة الأبعاد السياسية لخطة ترامب فلا يمتلك هذا الكيان من مفهوم السيادة على الحدود والمعابر اي هوامش سيادية، وهو كيان ملحق بالاعتبارات الأمنية الإسرائيلية، وتابع من توابع السيطرة

الاقتصادية الإسرائيلية، بما في ذلك السيطرة الإسرائيلية المطلقة على الموارد والأجواء والحدود وكامل غلاف التحكم الإسرائيلي في كل المجالات. بهذا المعنى فإن الحديث عن «حل الدولتين» هو خداع وتزييف، وهو فاقد للمصداقية وينطوي على أعلى درجات الوقاحة والكذب المكشوف. وبهذه المعاني كلها فقد وصل التقزيم الى نفي قيام دولة وطنية، وتجاهل كامل لحق اكثر من ستة ملايين في

العودة أو حتى مجرد البحث عن حل متفق عليه لهذه القضية، وانتهى وفق خطة ترامب شيء اسمه استقلال وطني وحق تقرير المصير الذي تقره الشرعية الدولية والقانون الدولي.
وأما الإغراءات الاقتصادية و»الوعود» السياسية فهي في الواقع ليست الا رشوة رخيصة وخداعا نعرف حقيقته ونعرف مدلولاته الحقيقية في الواقع السياسي الإسرائيلي وفي البرامج السياسية لغالبية

الأحزاب الإسرائيلية. لكن دلالات خطة ترامب أعمق واكبر واهم من مدلولات القراءة السياسية لهذه الخطة. فقد كشفت «صفقة» ترامب وبصورة لم يسبق لها مثيل عن صدام تاريخي بين مشروعين متناقضين. مشروع صهيوني عنصري استعماري، توسعي وعدواني، قام وتوحد خلال أكثر من سبعين عاما من السياسة العدوانية والتوسعية، وهو يحاول اليوم ومن خلال هذه الخطة بالذات إحكام

السيطرة على كامل فلسطين التاريخية والزجّ بأكثر من ثلاثة عشر مليوناً أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما. سكان مقيمون في معازل سكانية تحت الاحتلال، وتحت سيطرة التحكم العنصري المباشر بدون أي حقوق وطنية، وآخرون عليهم البحث عن سبل للعيش حيث يتواجدون الآن وبعيداً عن فلسطين. وبالمقابل هناك مشروع وطني تمثله منظمة التحرير الفلسطينية والذي يهدف الى إقامة دولة

وطنية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 بما فيها القدس الشرقية، وبما يحقق لكل فلسطيني خارجها حقه في العودة في إطار حل سياسي متفق عليه على قاعدة القانون الدولي والشرعية الدولية. خطة ترامب كشفت ان بين هذين المشروعين صراعا وتناقضا لا يمكن حله دون حل المسألة الوطنية للشعب الفلسطيني. المشروع الصهيوني لا يعترف بهذا الحل ويعمل على تصفيته، وهو

يكرس كامل قوته وجبروته بهدف منعه من التحقق، بل يعتبر أن توطيد المشروع الصهيوني نفسه بات يتطلب اجهاض واحباط المشروع الوطني الفلسطيني. ولذلك وصلنا اليوم «بفضل» خطة ترامب إلى نهاية الطريق المغلق، وبات علينا ان نشق طريقاً جديداً سيستحيل علينا البقاء والصمود دون أن نسارع اليه ودون أن نباشر إلى عبوره. الصراع بات مكشوفاً وعاد الى حيث يجب ان يعود.

الآن يتبين أن «السلام» الأميركي الاسرائيلي هو السلام الذي يُنهي المسألة الوطنية للشعب الفلسطيني، ويكرس المشروع الصهيوني في السيطرة على فلسطين الارض والجغرافيا والتاريخ والرواية ويحوّل اسرائيل الى دولة يهودية عنصرية استعمارية مسيطرة. وعلينا أن ندرك بعمق أن خطة ترامب من حيث لا يعلم صاحبها ولا يعي قد قدمت لنا هدية العصر، وأسدت لنا معروفاً لن ننساه له ابداً

وهو أن المشروع الصهيوني لا يتحمل ولا يحتمل تعايشاً ممكناً مع ادنى مقومات حقوقنا الوطنية، وان انتزاع هذه الحقوق سيكون بالضرورة نتاجاً لعملية صراعية تمكن الشعب الفلسطيني من فرض حقوقه في موازين قوى مواتية تاريخية. إن وصول المشروع الصهيوني إلى هذه الحدود هو التعبير الأوضح عن أزمة هذا المشروع، لأنه في الواقع يتموضع في تاريخ وجغرافيا العنصرية وربما

الفاشية، وهو يحكم على نفسه بالتمترس في خندق يستحيل الصمود فيه طويلاً، وفي أغلب الظن سيكون الخندق الأخير وخط الدفاع الأخير، أيضاً. وسيجد كل وطني فلسطيني صعوبة كبيرة من اليوم فصاعداً لخلافات واختلافات جدية بقدر ما يتعلق الأمر بمواجهة المشروع الصهيوني وأدواته وسياساته وتحالفاته، وهو أمر سيعيد هندسة الأدواتية الفلسطينية الكفاحية، وسيملي على كل فلسطيني

العودة إلى جذور الصراع وأصوله وإلى عروبته وتحرّريته. أدخلنا ترامب في مرحلة العودة الى الذات، والعودة الى وحدة الموقف وصلابة البيت القادر على مجابهة جديدة تعيد الصراع إلى مسالكه الإجبارية وأدواته الفعّالة.

قد يهمك ايضا : 

  أُحجية «الضم»! ما العمل؟

عندما يتقمّص ترامب دور الفهلوي والكومبارس

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في دلالات خطة ترامب في دلالات خطة ترامب



GMT 22:40 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... وما ورائيات الفوز الكبير

GMT 21:38 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

سيمافور المحطة!

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 21:34 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

«بكين» هل تنهي نزاع 40 عاماً؟ (2)

GMT 21:32 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

ماذا حل بالثمانيتين معاً؟

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 08:51 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 21:38 2020 الأحد ,03 أيار / مايو

حاذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 06:51 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحمل" في كانون الأول 2019

GMT 07:28 2020 الخميس ,18 حزيران / يونيو

«الهلال الشيعي» و«القوس العثماني»

GMT 01:18 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة "أيقونة" رفع الأثقال بعد صراع مع المرض

GMT 22:54 2016 الجمعة ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أصحاب دور العرض يتجهون إلى رفع "عمود فقرى" من السينما

GMT 10:32 2020 الأربعاء ,20 أيار / مايو

فساتين خطوبة للممتلئات بوحي من النجمات

GMT 16:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

أحدث تصاميم ديكور لحدائق المنزل

GMT 17:03 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

اعتقال موظف وعشيقته داخل مقر جماعة في شيشاوة

GMT 12:46 2019 الخميس ,24 كانون الثاني / يناير

العقوبات الأميركية تطال منح الطلاب الفلسطينيين في لبنان
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday