أتكون صدفة
آخر تحديث GMT 04:16:48
 فلسطين اليوم -

أتكون صدفة؟

 فلسطين اليوم -

أتكون صدفة

عبد المجيد سويلم
بقلم : عبد المجيد سويلم

عندما كنتُ يافعاً واظبتُ على قراءة مكسيم غورغي. بالنسبة لي كانت تلك المرحلة هي بداية التعرّف على الأدب الروسي، وعلى الأفكار «الثورية» التي زخر بها ذلك الأدب العظيم. حماسة جيلنا للأدب الروسي في ذلك الوقت ترافقت مع ما كان يدور في أذهاننا من تطلعات، ومع ما كنّا نشعر به من توق للمعرفة والتعلم واكتساب الخبرات. كانت كتابات مكسيم غورغي مفعمةً بالأمل في مستقبل أفضل، بالرغم من كل البؤس الذي عكسته هذه الكتابات عن الواقع الروسي قبل الثورة.

لم أكن أعرف شيئاً عن «غوغول» قبل أن أقرأ مكسيم غورغي، وذُهلت بروايته العظيمة «المعطف». كان غورغي ـ وهذا ما لفت انتباهي بصورة خاصة ـ قد قال؛ إننا ـ ويقصد الأدباء الروس ـ كلنا قد خرجنا من «معطف» غوغول...، وأعترف الآن أنني فهمتُ نفسية البرجوازي الصغير من تلك الرواية أفضل من عشرات الكتب التي قرأتها عنها.

من بين أعمال مكسيم غورغي التي انحفرت في ذاكرتي مؤلّفه «طفولتي»، والذي عدت إليه عدة مرات، وتمعّنت في كل ما انطوى عليه من شقاء وحرمان وذكاء، ومازالت سرديته في طفولتي من أحبّ ما قرأت على قلبي حتى اليوم. لم أعد أذكر أين قرأت لغورغي ملاحظةً لم تغادرني أبداً، ومازالت تنبضُ في تلابيب ذهنيتي النفسية والمشاعرية على هيئة انطباع، تحوّل مع الزمن إلى نوع من «العقدة» النفسية، أو العقدة الذهنية إذا جاز التعبير.

وأصبحتُ أستحضر هذه الانطباع، العقدة، وصرتُ أعتبرها جزءاً من «أدواتي» الخاصة والخفيّة في التعرف على الناس، وفي «التنسيج» الاجتماعي معهم.

ملاحظة غورغي كانت أن كل شخص إنما يشبه أحد أنواع الطيور.
منذ ذلك اليوم، وإلى يومنا هذا وأنا أُحاول جهدي كلما تعرّفتُ على شخص جديد، أو شاهدته حتى ولو على خشبة المسرح، أو في فيلم سينمائي، أو مسلسل تلفزيوني، قريباً أو بعيداً، رأيته في مجال عمل أو نشاط اجتماعي، أو حتى بالصدفة... أحاول جهدي أن أجد الطير الذي يشبه هذا الشخص. كان هذا الجهد مرهقاً أحياناً، وكثيراً ما كنت ألجأ إلى الموسوعات العلمية للطيور علّني أجد ذلك الشبه.

في المراحل الأولى، ولعدة سنوات طويلة، ودون أن أجد لنفسي تفسيراً مقنعاً أو منطقياً كان ذلك الشبه يقتصر على الذكور دون الإناث. لم أكن أعاني إلى حينه من جهد البحث عن علاقة التشابه «الغامضة» بين الطير والأنثى. أما في المراحل اللاحقة، وعندما أصبحتُ شاباً وليس من أولوياتي في الحياة مجرّد القراءة والتعرف على الأدب والسياسة والفكر الثوري وإنما العلاقات الاجتماعية المزدحمة، فقد زادت أعبائي وتضاعفت

مجهوداتي، وتوسعت دائرة البحث والتفتيش لدي بعد أن أصبحت أربط بين الطير والإناث. كان البحث أحياناً أقرب إلى التنقيب، وأصبحت أعاني بكل ما في هذه الكلمة من معنى.
كان لا بدّ أن أجد حلاً. لم يكن الحل في انتهاء هذه المعادلة، أو اختفائها ـ لأن هذا كان مستحيلاً كما دلّت التجربة، وإنما محاولة التخفيف عن وطأة هذا الانشغال الغريب، وهذا الاستحضار الأغرب.
استقرت علاقتي بهذا «الانطباع» فيما بعد عند موازنة جديدة، بحيث لا أستطيع الاستغناء عنه، ولكن دون أن أُمكّنه مني، ودون أن «أسمح» له بتخطي الموضوعية التي أُحاول من خلالها التعامل مع الآخرين.

لكنني في الأيام الأخيرة، ورغماً عني، وفي هذه الأيام من بعد العودة إلى النفس في يوميات الـ «كورونا» المتدحرجة، عدت إلى ذلك الانطباع، أو ربما أن الانطباع قد عاد ليضغط عليّ من جديد.
في هذه المرة لم أشعر بعبء العودة في الحالتين، إن لم نقل بأنني سعيد بها.  عدنا، الانطباع وأنا، إلى بعضنا بشدة وأنا أحدّق في بعض وجوه أولئك الذين رفضوا أن يدفنوا الطبيبة المصرية في تراب بلدتها «خوفاً»

من انتقال العدوى إليهم. ذُهل كل من هو إنسان وهو يتابع هذا الفصل المأساوي في حياة وممات تلك الطبيبة الشجاعة. التنكر بأبشع الصور، والإجحاف والقسوة والنذالة التي يمكن أن تصل بأحد إلى هذه الدرجة من الخسّة والغدر والخيانة، هنا تجاوزت كل الحدود. لا أدري لماذا قفز إلى ذهني مباشرةً وأنا أجهد في التحديق إلى وجوههم كيف أنهم يشبهون الخفافيش، المتهمة بنقل فيروس الـ «كورونا» إلى الإنسان.

نعم. إنهم يشبهون الخفافيش.
أيكون صدفةً أم ماذا؟
مثل هؤلاء موجودون في كل مكان.

قد يهمك أيضا :  

المناشدة لا تكفي

  متى يمكن العودة إلى الحياة الطبيعية؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أتكون صدفة أتكون صدفة



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 03:11 2015 الخميس ,03 كانون الأول / ديسمبر

الحقيبة الصغيرة مكملة لإطلالة المرأة الجميلة في سهرات 2016

GMT 10:00 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

أسباب غير متوقّعة تؤدّي إلى تأخّر الإنجاب

GMT 12:10 2019 الإثنين ,21 كانون الثاني / يناير

فيفي عبده تحرص على حضور عزاء الفنان سعيد عبد الغني

GMT 03:33 2019 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

"حماس" تخطط لإعادة فتح معبر رفح والقاهرة لا تعقب

GMT 11:49 2019 الإثنين ,14 كانون الثاني / يناير

باكستاني ينسى اسم عروسته والسلطات البريطانية تعتقله

GMT 03:18 2018 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

نوعان من الزراف في أفريقيا يواجهان خطر الانقراض

GMT 09:27 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

الإسباني بينات يقترب من تدريب نادي النصر الإماراتي
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday