إذا وجد نتنياهو نفسه، قبل نهاية الحملات الانتخابية في إسرائيل في وضع حرج، وإذا تشرذم اليمين في إسرائيل، ان تفكفك الحلف الذي يسيطر عليه نتنياهو حتى الآن، واذا بقي حزب "أزرق ـ أبيض" متفوقاً على اليمين بثلاثة أو أربعة مقاعد مؤكدة، وبقي ليبرمان على مواقفه الحالية فإن خيار الذهاب الى حرب على قطاع غزة يصبح ـ كما أرى ـ
خياراً إجبارياً للخروج أو توهم الخروج من هذا المأزق الكبير الذي يضاف الى مأزق لائحة الاتهام. صحيح، أن حكومة تصريف اعمال، كالتي تحكم إسرائيل حالياً، ليست مطلقة اليدين لشن حرب من هذا النوع، وصحيح ان مراكز القرار العسكرية والأمنية فيها تشكل نظرياً عقبة لقرار او خيار من هذا القبيل، الا ان تذليل مثل هكذا عقبة ليس
بالأمر المستحيل على واحد مثل نتنياهو، إضافة الى ان هكذا خيار سيحظى من كل أنواع اليمين بالموافقة، كما سيجد حزب "أزرق ـ أبيض" حرجاً شديداً في الوقوف ضد هكذا حرب، خصوصاً وان هذا الاخير يستخدم "تقاعس" نتنياهو عن شن الحرب على قطاع غزة كأحد مفاصل حملته الانتخابية. وحتى ليبرمان نفسه سيجد نفسه، هو الآخر، في
موقف التأييد لحرب كهذه، حتى وان أدرك وتأكد ان شن هذه الحرب يعود لأسباب انتخابية ولجهة المأزق الذي سيكون عليه نتنياهو وحلفه اليميني على حد سواء. كل شيء سيعتمد على "مبرر" الحرب، وفيما اذا كان هذا المبرر كافياً على المستوى الدعائي، وفيما اذا كان "مقنعاً" لأطراف اليمين وبقية الاطراف، وفيما اذا كان سكان غلاف غزة قد
وصلوا الى درجة من الاحباط واليأس بما يهدد البقية الباقية منهم لجهة التصويت لقائمة الليكود واليمين.
ولهذا، وفي ضوء هذه الوقائع في حينه سيتقرر أمر الحرب على القطاع. لو افترضنا جدلاً أن أحد الصواريخ أو أكثر قد سقطت على تجمع سكني في منطقة الغلاف، وأدى الى
مقتل عدة أشخاص، أو تم تدمير عدة منازل وأدى الصاروخ الى وقوع جرحى بأعداد كبيرة نسبياً، فإن الحرب ستسهل على نتنياهو. المبرر ضروري له لشن هذه الحرب، لكن الحرب أصبحت أسهل كثيراً عليه في ضوء التقديرات الإسرائيلية بأن ثمة إمكانية لتوحد الفلسطينيين، وفي ضوء ان كانت هذه التقديرات تصل الى درجة توقع إنهاء الانقسام،
ان لم يكن في المدى المباشر ففي المدى المتوسط المرئي على الأقل. أقصد ان تحفظات نتنياهو على شن هذه الحرب بسبب من موقفه الخاص بإدامة الانقسام، وسعيه لتكريسه بكل السبل والوسائل باعتباره (أي الانقسام) ذخراً استراتيجياً لإسرائيل ستزول فوراً وبسرعة، لأن هذا التحفظ بالذات هو الذي منع شن الحرب على القطاع حتى الآن. أما
عندما يصبح شن هذه الحرب "مخرجاً" لنتنياهو من مأزق الانتخابات ويكون بقاء الانقسام في مهبّ الريح، فإن خيار الحرب على القطاع يصبح مرجحاً اذا توفر المبرر الكافي. ويكاد يكون السؤال الأهم على هذا المستوى فيما اذا كانت هكذا حرب ستكون كبيرة ومدمرة ام محدودة؟
وهل ستصل الأمور الى حدود الاجتياحات الكبيرة ام المحدودة؟ وهل يمكن ان تفكر إسرائيل بإعادة احتلال القطاع ولو لفترة وجيزة أم لا؟
إذا وصلت الأمور إلى حدود اتخاذ قرار بالحرب على القطاع فإن الإجابة عن سؤال عن مدى عمق هذه الحرب تحتاج الى معرفة سيناريوهات الرد الفلسطيني عليها.
اي ان الحرب يمكن ان تتعمق وتمتد وتشتد أيضاً اذا كان رد الفصائل في القطاع مؤذياً أو مؤلماً، وقد تصل الأمور بسهولة الى "اضطرار" جيش الاحتلال الى توغلات كبيرة قد تصل الى مرحلة إعادة احتلال بعض مناطق القطاع. علينا ان نلاحظ هنا ان "فصائل غزة" هي بدورها يمكن ان تنجرّ إلى مواجهة شاملة بحكم آليات الدفع الذاتي للمعارك،
وبحكم درجة الاستهدافات الإسرائيلية، ولعل "الاغتيالات" تلعب دوراً كبيراً على هذا الصعيد. والسبب في ذلك ان إسرائيل في الآونة الأخيرة كانت تعتمد وتهدد باللجوء الى "سلاح" الاغتيالات عندما كانت الأمور تتطور باتجاه الانزلاق، ما يعني ان إسرائيل تعتبر سلاح الاغتيالات واحداً من الأسلحة الحساسة في المواجهة. ليست المعركة في غزة
بالسهولة التي تتحدث بها الأوساط الإعلامية وحتى العسكرية والأمنية في إسرائيل، وليس سهلاً ابداً أن تنزلق المعارك الى التوغلات الكبيرة والى الاجتياحات بما يمكن ان يصل الى إعادة الاحتلال، ولعل خوف القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية من الخسائر البشرية هو ما يفسر الحذر من هكذا انزلاق، لكن ما يفسر صعوبة المعارك في
القطاع هو الحجم الهائل من الدمار الذي يمكن ان ينتج عن تلك المعارك والخسائر الكبيرة المتوقعة في صفوف المدنيين الفلسطينيين، وهو أمر لا تحبذه القيادات السياسية والأمنية الإسرائيلية في هذه الظروف الحساسة إقليمياً ودولياً. لعبة التصعيد المحسوبة ليس لها معايير ثابتة، ولهذا فإن حذر فصائل القطاع يجب ان يكون عالياً، وبعض
التقديرات الخاصة بهذه الفصائل من أن الوضع في إسرائيل لن يؤدي الى الحرب على القطاع في ظل الوقت القليل المتبقي على موعد الانتخابات الإسرائيلية، قد ينطوي على بعض سوء التقدير، وربما انطوى بهذا المعنى على مغامرة كبيرة. ومثلما يقال بأن نتنياهو لن يغامر بحرب على القطاع، او في الشمال لا بد من رؤية الرأي المقابل والذي
مفاده ان نتنياهو لن يغامر بالمقابل أن يذهب الى انتخابات قد تنتهي الى هزيمة سياسية ما. الركون الى التقديرات السابقة ليس من الحكمة في شيء، وعلى الجميع أن ينظر بتبصر ومسؤولية كبيرة تجاه الأهل في القطاع في ضوء ان الحالة المعيشية للناس صعبة ومتعبة، وان الناس لم تعد تحتمل مثل هذه الحروب، ولا هي على استعداد لدفع أي
أثمان غير ضرورية في هذه الظروف الحساسة.
قد يهمك ايضا :
في دلالات خطة ترامب
قصور الفكر السياسي الفلسطيني