بقلم: أحمد محمد الشحي
شهد العالم العربي في أواخر 2010 ومطلع 2011 موجة من الاضطرابات والفوضى التي اجتاحت دولاً عدة، وارتكزت هذه الفوضى على إثارة الشعوب على حكوماتها، واستغلال الشعارات البراقة لتغذية ذلك، وقد استغل المنتفعون الراغبون في الاستيلاء على السلطة هذه الاضطرابات، فركبوا موجتها، وصبوا الوقود على نيرانها، وساهمت بعض الدول في ذلك عبر تدخلاتها في شؤون هذه الدول، وخاصة عبر أدواتها الإعلامية التي فقدت أي نوع من أنواع المهنية بما كانت تمارسه من تحريض وتهييج وتفريق وتمزيق.
وقد كانت لربيع المؤامرة إفرازات سلبية كثيرة بإشعال الصراعات، سواء صراعات داخلية أو صراعات إقليمية ودولية، فقد تطوَّرت الاضطرابات في بعض الدول إلى حروب وصراعات داخلية دامية لا تزال نيرانها مشتعلة وضارية إلى يومنا هذا، وخلَّفت هذه الأحداث آلاف الضحايا ما بين قتيل وجريح ومشرد ولاجئ، وأدت إلى تدمير البنى التحتية، وتحويل مدن كاملة إلى أنقاض وركام، وتدهور الأحوال المعيشية والاقتصادية، وانتشار الفقر والأمراض والكوارث الإنسانية المؤلمة، وتحويل بعض الدول إلى ساحات مشاعة للتدخلات الخارجية والتنافس الإقليمي والدولي.
كما أدى ربيع المؤامرة إلى خلق الصراعات الداخلية أيضا بتمهيد الطريق أمام التيارات المؤدلجة وبالتحديد التيارات الإخوانية لاقتناص السلطة، فنجح بعضها في الوصول إليها، وخاصة في مصر، وكان لذلك نتائج سلبية كبيرة أدت إلى تغذية الاحتقان الداخلي، فقد كان الإخوان وهم في سدة الحكم أسوأ حالاً مما كانوا عليه من قبل، حيث احتكروا السلطة، وحاولوا أخونة الدولة بالتوغل في مفاصلها وتمكين الكوادر الإخوانية منها، وإقصاء الآخرين، مع سوء إدارة لشؤون البلاد، وتخبُّط في السياسة الداخلية والخارجية، ودعم للمتطرفين، بل تمكينهم من بعض المناصب، مما أدى إلى احتقان الشارع وغليانه، وتطور ذلك ليؤدي إلى إسقاط الحكم الإخواني، وبعد سقوطهم حاول الإخوان إدخال الدولة المصرية في صراعات دامية وحروب أهلية كادت أن تودي بالبلاد في الهاوية لولا لطف الله تعالى، وكل ذلك في سبيل الوصول إلى السلطة والحكم.
ومن إفرازات ربيع المؤامرة أيضاً والتي أدت إلى زيادة موجة الصراعات الداخلية في الدول صعود التنظيمات الإرهابية المتوحشة، وخاصة تنظيم داعش الذي أدى صعوده إلى ارتفاع موجة الإرهاب والتطرف والطائفية، واقترن بهذا التنظيم جرائم وحشية لم يسبق لها نظير في بشاعتها وطريقة الدعاية لها، والتي اعتمدت على أحدث أدوات التصوير والمؤثرات الصوتية والبصرية مع استغلال شبكة الانترنت العالمية لنشرها وترويجها، وعمل هذا التنظيم على تغذية صراع الأديان والطوائف والحضارات، وترتَّبت على ذلك نتائج عدة، منها ظهور ميليشيات طائفية اجتاحت الساحة العراقية، وأصبح العراق بين فكي هذه الكماشة الطائفية، أي بين سندان تنظيم داعش ومطرقة الميليشيات المسلحة المناوئة له، كما حاول تنظيم داعش أن يتوسع إقليمياً في عدة دول، وكان من أبرز مخططاته نشر الصراع الطائفي في المنطقة، سواء بين أتباع الطوائف الإسلامية، أو بين أتباع الأديان عموماً، وقام بعمليات إرهابية عدة في عدة بلدان لتأليب أتباع المذاهب والأديان بعضهم على بعض، واستمر التنظيم في هذا المسار لخلق الصراعات الداخلية في الدول إلى أن تحوَّل إلى مصدر تهديد عالمي، فانعقدت التحالفات الدولية للتصدي له، وتم شن حرب واسعة عليه لدحره.
ولم تتوقف عجلة ربيع المؤامرة في إشعال الصراعات عند هذا الحد، بل أخذت في التطور، وهو ما نلحظه في الآونة الأخيرة من تغذية الصراعات الإقليمية والدولية، وتحريض الدول بعضها على بعض، وتوجه بعض الدول كإيران وتركيا إلى التوسع الإقليمي، والتدخل في شؤون الدول الأخرى، ومحاولة إدخال المنطقة في صراعات لا تحمد عقباها.
إن هذه الحقائق والأحداث التي ذكرنا نماذج منها لتكشف بوضوح عن أن من أخطر مهددات الاستقرار هي خلق الصراعات الداخلية والإقليمية، ومن أخطر عواملها التي تغذيها التيارات المؤدلجة والتنظيمات الإرهابية والميليشيات الطائفية والحكومات التوسعية والإعلام المغرض الموجه، وأن من واجب الشعوب أن تكون سنداً لحكوماتها في المحافظة على أمن واستقرار الدول، والتحلي باليقظة والوعي والحس الوطني والحكمة والثقافة الإيجابية.
وقد كانت دولة الإمارات سباقة في التصدي لهذه المهددات على كافة المستويات، فعلى المستوى الداخلي عززت قيم الوسطية والاعتدال والتعايش والتسامح ومبادئ الأخلاق الحميدة في تعامل الناس بعضهم مع بعض على اختلاف أديانهم وأعراقهم وبلدانهم، ومكافحة التطرف والطائفية، وسنت القوانين التي تخدم ذلك، وعملت على توفير بيئة مليئة بالتنمية والازدهار وجاذبة للطاقات والمواهب، حتى أصبحت واحة أمن وأمان يأوي إليها الناس من مختلف أقطار الأرض، وكذلك على المستوى الخارجي عززت دولة الإمارات الخطاب الوسطي الداعي للسلم والاستقرار في المحافل الدولية، وكانت عضواً فاعلاً في التحالفات الدولية والعربية لمكافحة الإرهاب والتطرف والتصدي لقوى الشر، وكانت خير سند لأشقائها في دعم استقرارهم، ومساندتهم على تجاوز أزماتهم، وهي دوماً نموذج مشرق بأفعالها ومواقفها على الإدارة الحكيمة للتحديات والأزمات، حتى أضحت صمام أمان للسلم الإقليمي والدولي.