بقلم: جمال الكشكي
لبنان يقف حائراً يبحث عن ملامحه وسط غيوم كثيرة. بلغ من التوتر عتياً، واشتعل رأسه شيباً في السياسة والاقتصاد، يحاول تجديد شبابه. «كتالوج» التظاهر هذه المرة مختلف تماماً، الأهداف واضحة ومحددة.أدرك اللبنانيون نفاد رصيد الطائفية في الحفاظ على استقرار الدولة فخرجوا تحت علم وراية واحدة، مختبرات الماضي في صناعة السياسة لن تناسب لبنان المستقبل، الحرب الأهلية درس غير مسموح بالعودة إليه.
الملقب بـ «سويسرا الشرق» يبكي زمنه الجميل لكنه يؤمن بأن العودة إلى ذاك الزمان ليست مستحيلاً.البلد الذي أنجب فيروز لا يستحق هذه المخاطر.فسحة العالم في أوقات الضيق لا يجب أن يكون ميداناً للتناحر السياسي والمذهبي والطائفي. لبنان تركيبة خاصة لا يمكن تقليدها. الحفاظ عليه مهمة صعبة لكنها لا تقبل القسمة على وجهات النظر لأن البديل سيكون أكثر مرارة من سوريا والعراق.
«من قلبي سلام لبيروت». تفهم رئيس الحكومة الشيخ سعد الحريري مطالب المتظاهرين واعتبرها محقة بل أنه خاطب شبابه: إن ما قمتم به كسر كل الحواجز وهز كل الأحزاب والتيارات وأن أهم حاجز كسرتموه هو حاجز الولاء الطائفي الأعمى، وأعدتم الهوية الوطنية اللبنانية إلى مكانها الصحيح .
في الوقت نفسه، شكك حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله في قدرة التظاهرات في تغيير الحكومة، ولكنه فوجئ بأن هذه التظاهرات احتشدت في مناطق نفوذه. اللحظة فارقة ولا توجد خيارات، والإرادة مختلفة هذه المرة. محترفو المناورات السياسية يفشلون في إثناء المتظاهرين عن المطالبة بحقوقهم.
الأزمة الاقتصادية خانقة، حجم الدين العام يصل إلى نحو 85 مليار دولار وفوائد نحو 3مليارات دولار سنوياً، معدل النمو تراجع إلى صفر % ووصول نسبة البطالة إلى 38%. كل المؤسسات المالية والدولية حذرت من هذه الأوضاع.
المشهد يزداد تعقيداً. لبنان في انتظار المعجزة، الشارع رفض كلمة الرئيس ميشال عون اعتبروها كلمة «خشبية» لم تأت بجديد.
الدائرة تضيق على المتحالفين مع قصر بعبدا، وفي مقدمتهم «الصهر» جبران باسيل، الوقت ليس في صالح أصحاب العهد، فالوفاء بوعد إسقاط العهد صار وشيكاً، الحالة اللبنانية تحتاج إلى جراح بمهارات خاصة يلجأ إلى استئصال الأورام الطائفية، فالمسكنات لم تعد تجدي نفعاً.
الخروج الآمن بلبنان لا يحتمل صراع الإرادات بل يتطلب تشكيل حكومة «تكنوقراط» وليست حكومة سياسيين، وهذا أقل ما يقبل به الشارع الذي خرج مطالباً بحقوقه ومعترضاً علي الحكومة الحالية، فضلاً عن أن التقديرات تتخوف من أن المماطلة والتأخير في اتخاذ قرارات إصلاحية، ربما تعيد البلاد إلى تاريخ أسود استمر ما يقرب من 15 عاماً، لكن هذه المرة ستكون النتائج أكثر كارثية في ظل ما يمر به الإقليم من غليان وتأزيم، وخاصة أن المتظاهرين سيواصلون البقاء، وربما يشهد لبنان النموذج العراقي الذي تحولت تظاهراته السلمية إلى تخريب وأعمال عنف وقتل للمتظاهرين مثلما شهدنا في المحافظات الجنوبية، أما الشيء الذي لا يقل خطورة هو الخوف من توسيع دائرة العنف وانفجار الخلافات الطائفية والنزاع علي فرض النفوذ واستعراض القوة، وبالتالي يكون لبنان على وشك الاقتراب من النموذج السوري، السيناريوهات مفتوحة، لكن يجب على كل الأطراف أن تواجه هذه المشاكل والخلافات بصراحة وتعقل وحسم، وهنا أتذكر خطاب الرئيس أنور السادات، في افتتاح دورة مجلس الشعب، 1/10/1975عندما قال فيه:«نحن نريد للبنان ما أراده له مؤسسوه.
ليس للاستعمار مقراً ولا ممراً، ونموذجاً للتعايش بين الطوائف والمذاهب، ونافذة عربية على العالم، وجهها عربي، وقلبها أيضاً عربي، وليس لي إلا أن أوجه نداء سيفهمه الجميع: «إن ارفعوا أيديكم عن لبنان».