بقلم: حمادة فراعنة
تواصل الاحتجاجات الشعبية أفعالها وحراكها بأقصى قدر من الاتزان والسلمية في لبنان، باستثناء بعض الخروقات التي يتم ضبطها ولملمة تجاوزاتها، وهي ظاهرة دالة على رقي الشعب اللبناني والدولة في نفس الوقت.احتجاجات لبنان سلمية مدنية، بينما احتجاجات العراق دموية تخريبية، فالاحتجاجات غالباً ما تسعى لتدمير مؤسسات الدولة واحراقها، ورجال الأمن غالباً ما يلجؤون إلى القمع وإطلاق الرصاص وىسقوط الضحايا بالعشرات من المتظاهرين، ما دفع نواب الحزب الشيوعي للاستقالة احتجاجاً على طريقة التعامل مع المحتجين، ورجل الدين مقتدى الصدر يتهم مباشرة الدولة في الاعتماد على فصائل الحشد الشعبي لقمع التظاهرات وإحباطها.
ما الذي يربط تظاهرات لبنان مع احتجاجات العراق؟؟ لماذا يهتف أهل لبنان «من العراق إلى بيروت ثورة واحدة ما بتموت»!!ما هو الرابط بين احتجاجات العراقيين واللبنانيين؟؟ ومن هو الخصم المشترك لهما ؟؟واضح أن الرابط هو الاحتجاج ضد السلطة، وضد التحالف الحاكم، والذكاء الخفي والربط السياسي بين الطرفين هم أحزاب ولاية الفقيه، حزب الله اللبناني مع حركة أمل في لبنان، وأحزاب الحشد الشعبي في العراق، رغم التناقض الكفاحي بينهما، فأحزاب الحشد الشعبي جاءت بعد تدخل الدبابة الأميركية التي أسقطت النظام السابق المعادي للسياسة الإيرانية، بينما حزب الله تفوق بفعل دوره الكفاحي في مواجهة العدو الإسرائيلي ورحيله عن لبنان، ولكن رغم الفرق الجوهري بين الطرفين اللبناني والعراقي ولكنهما يدينان بالولاء لمرجعية ولاية الفقيه.
حزب الله في مواجهة العدو الإسرائيلي كان باسلاً شجاعاً، ولكنه حينما انغمس بتفاصيل الحياة اللبنانية تحول إلى حزب فئوي يعمل وفق البوصلة الإيرانية، مثله في ذلك مثل أحزاب ولاية الفقيه وتنظيمات الحشد الشعبي في العراق، وهنا المشكلة أن كليهما تحول إلى حاكم وصاحب قرار في العراق ولبنان، وإن اختلفت المظاهر ولكن المضمون واحد والمرجعية واحدة، وهنا مصدر الترابط لدى المحتجين اللبنانيين، الذين يجدون في قيادات حزب الله وحركة أمل أنهم يقفون ضد الانتفاضة وضد إلغاء نظام المحاصصة الطائفية، لأن حزب الله لا يستطيع أن يحكم لبنان ونصفه من المسيحيين، ولذلك هو بحاجة لغطاء، والغطاء اليوم هو رئيس الجمهورية الماروني ورئيس الوزراء السني، ولهذا يقف ضد إسقاط الرئاسات الثلاث: الجمهورية والحكومة ومجلس النواب، ويعارض حراكات الانتفاضة التي ترفع شعار إسقاط «كلهن كلهن».
في العراق يتمسك النظام الطائفي بالحاضر الذي صنعه بريمر الأميركي بعد إسقاط نظامه القومي، والنظام الطائفي في لبنان صنعه الاستعمار الفرنسي.معاناة بعض العرب في نظامهم غير الديمقراطي، نظام اللون الواحد، والقومية الواحدة، والطائفة المهيمنة، والتي تفتقد للشراكة والقواسم المشتركة وعدم الاعتماد على إفرازات صناديق الاقتراع، ولذلك انفجرت ثورة الربيع العربي بعد أن أخفقت فصائل حركة التحرر العربية من إنجاز مهامها وتطلعات شعوبها، ولهذا يسقط النظام الواحد تلو الآخر، إن لم يدرك أهمية توسيع قاعدة الشراكة على أساس التعددية والديمقراطية والقيم الدستورية التي تحترم مضمون أن الشعب هو مصدر السلطة.
لقد تم إحباط العديد من عناوين ثورة الربيع العربي في أكثر من بلد، والواضح ان ذلك يتم بشكل مؤقت، فقد جدد أهل الجزائر والسودان الربيع العربي انعكاساً لظروفهم، وأرسى أهل تونس ثورتهم ووضعوها على الطريق الديمقراطي السليم، وأخفق أهل العراق وسورية واليمن في انتزاع النظام الديمقراطي، وها هو لبنان يقدم نموذجاً جديداً، لا بد أن ينتصر مهما تكالبت ضده قوى الشد العكسي والطائفية.