المشاهد للصور القادمة من لبنان في ثورتها الأخيرة، ينتابه تمني بعدوى الثورات. نحن شعب نشجع الثورات أينما خرجت، ولأي شكل اخذت. ثورة سودانية، يمنية، عراقية، اردنية، مصرية، سورية، … نحن شعب الثورات. اقصد نحن شعب مشجع للثورات. الحقيقة يحق لنا ما لا يحق لغيرنا بشأن متابعة الثورات، فنحن اهل الثورة الأولى والمستمرة.
الجميل بثورة لبنان الأخيرة، ليس فقط الشعارات المسلية ولا الجمال اللبناني واللهجة الفاتنة، ولا خروج نادين نجيم ونادين الراسي وانضمام رفيقاتهن من الممثلات، ولكن الجميل ان لا تحزيب سياسي في شأنها، ولا شتائم للكافرات السافرات من النساء من قبل جماهيرنا المنقسمين على كل شيء. مثلا لا نستطيع ان نقف مع ثورة اليمن، فكما رأينا في مباراة السعودية- فلسطين قبل أيام، تم اعتقال شاب رفع علم اليمن بالمباراة. إذا ما كان رفع علم دولة يتم قتل شعبها وتدميره يوميا من قبل دولة تزور دولة يعيش شعبه ويلات الدمار والقتل والتشرد، يؤدي الى اعتقال حامل العلم، فكيف لهذا الشعب المثقل بويلات النكبة والسلطة والاحتلال ان يخرج بثورة؟
بدون شك، ان ما يجري بالأيام الأخيرة على الساحة الإقليمية مثير للفضول وباعث للأمل على الرغم من كل السواد الحالك المحيط. فوز قيس السعيد برئاسة تونس وانتفاض شعب لبنان ضد الغلاء والفساد، والانتصارات المتكررة لأهل اليمن ضد الة الطغيان السعودي والخليجي، وانتصار حراك المعلمين في الاردن. هناك بالفعل امل، لأن هناك نبض حي حقيقي لا يزال يبث الحياة في الانسان العربي الصريع.
ولكن بالفعل، لم لا تخرج ثورة من الأراضي الفلسطينية؟ لا اعرف كيف اقارن بالحقيقة بين فساد أصحاب السلطة في لبنان، ولكن الفساد عندنا حدث ولا حرج. غلاء الأسعار واحتكار السلع والفساد الذي يسيل بهول السيول الجارفة ويغرق الشعب الأعزل من كل مرافق النجاة. الوطن يسلب منا بالشبر بين تسريب لأراضي لمصلحة المستوطنات، وحظر على المنتج الفلسطيني لصالح الاقتصاد الإسرائيلي، وانهيار كامل في كافة المرافق، وتفشي للظلم والقهر والعنف يهدد بحرب أهلية قادمة، وغياب للحياة الدستورية والشرعية في ظل انقسام وتفرد بالحكم لصالح الأحزاب المتسلطة على الوطن وانحسار إمكانية الانتخابات في نفس الوجوه إذا ما جاء يوم وصار هناك انتخابات.
كذب في التصريحات لا يحترم ذكاء انسان بين تنسيق امني “مقدس” مع الاحتلال وبين ترديد لشعارات توهم بوطنية خرقاء.
تجوال الاليات العسكرية بمدن السلطة “المحررة” ، والاعتقالات والاغتيالات على مرأى العين، لم يحركنا.
استيراد زيتوننا المسروق من السارقين لم يحركنا.
انهيار المنظومة الصحية والتعليمية لا يضج من سباتنا الا ارقا تمحيه حوادث ومصائب جديدة متكررة.
النظام التشريعي والقانوني والدستوري حدث ولا حرج. لم نعد نعرف منه الا تعيين او اقالة.
المقاوم يتم رصده من قبل السلطة قبل الاحتلال. التطبيع صار نشانا على صدور أصحاب السلطة ورؤوس الاموال بفضائح متكررة، استيراد وتصدير لكل ما يمكن استهلاكه لهذا الشعب من قبل رؤوس الأموال المتمثلة بعلاقة وطيدة ومباشرة بصندوق الاستثمار الفلسطيني. المرضى من الشعب ينوى تحويلهم الى مشافي مصر الفاقدة للحياة بينما يرسل أصحاب السلطة المرضى منهم الى المشافي الإسرائيلية. احتكار مطلق ومحكم لكل مرافق الحياة حول الشعب لمصلحة ارباب السلطة.
كم الفساد المستشري بالوضع الفلسطيني لم يعد بالإمكان رصده. من كل الاتجاهات تؤرق نتائج الفساد لتلوث نظرنا وتخنق انفاسنا. من كل الاتجاهات تفوح الروائح العفنة لفساد استفحل وينتشر كالوباء ليخلص علينا.
ونحن في سبات نكتفي بالتصفيق او التنديد لثورات الشعوب.
نجرم أنظمة دكتاتورية ونندد بحكم الفاشية ونشمت في كل حاكم ظالم وقع، ولا نقوى حتى على الوقوف امام دوار المنارة او المقاطعة للتنديد بواقعنا المرير.
نتحول يوميا الى اشباه بشر، بينما تعيش الشعوب وتموت. تجدد نفسها وتعيد احياء نفسها ونحن لا نزال في نفس المكان من مواقعنا وراء الشاشات نصرخ أحيانا فليسقط الاحتلال ونندد أحيانا ضد الفساد.
فهل استكنا بالفعل للوضع القائم؟ هل استسلمنا لوجودنا داخل سلطة تحت احتلال؟ هل سكوتنا لخوفنا من القادم الأسوأ إذا ما تحركنا نحو تحررنا؟
نعم وضعنا مركب ومختلف… ففي لبنان، كما في السودان، واليمن والأردن وغيرها، هناك دول لا يعيش أهلها تحت احتلال. ولكن اوصلتنا السلطة لنترحم على أيام العيش تحت الاحتلال.
نعم، نحن بالمحصلة شعب لديه وعي حقيقي بمغبة الثورة على السلطة بينما يتربص بنا الاحتلال، ولكن كيف توصلنا هذه السلطة الى هاويتها وهاويتنا؟ كيف تكشر عن انيابها وكأنها مستعدة لبيعنا “شقف” إذا ما تسنى من بيعنا فرصة لزيادة أموال اربابها.
لقد بدأ الحضيض بالصك وسنصل الى وقت لن يكون ببعيد، تفتح فيها الناس أذرعها للاحتلال استرحاما من سلطة لم تبق للبشر ما يقاومون من اجله ظلم الأعداء، بينما اشتد الظلم والقهر من ذوي القربى.
لم يعد هناك ما نأمل به، فلا انتخابات ممكنة، ووطن ينهش بدل ان يحضن، وعنف يهدد الامن الشخصي، وفساد وقمع يقود الانفاس. ربما لهذا نبقى وراء الشاشات مستأنسين بثورات الاخرين. فصرخاتهم تدوي بآذان تسمع ربما. وصراخنا وحراكنا لا يؤرق ولاة الامر