الدولة الوطنية وصناعة النهوض
آخر تحديث GMT 06:05:23
 فلسطين اليوم -

الدولة الوطنية وصناعة النهوض

 فلسطين اليوم -

الدولة الوطنية وصناعة النهوض

بقلم : محمود الورواري

الدولة الحديثة في المفهوم العربي وفي الممارسة مرت بمرحلتين؛ الأولى يمكن أن نحددها منذ بداية الاستقلال في خمسينات القرن الماضي حتى عام 2011، هذه المرحلة كانت بمثابة اختبار للمصطلح والوعي والتطبيق، وفيها تأرجحت الدولة بين شكلها الغربي وتكوينها العربي مع بعض الاحتفاظ بآيدولوجيات متفاوتة. كان الخطر في هذه المرحلة يتأتى إما من الخارج مثلما حدث في الصراع العربي - الإسرائيلي وإما من الداخل كما تجلى في سطوة التنظيمات الإسلاموية كـ"الإخوان" أو تنامي بعض تيار العنف الديني أو العرقي، وعلى رغم ذلك كانت الدولة بما لها وعليها باقية ثابتة.

لكن في 2011 ومع موجة الربيع العربي الأولى في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية وحتى في موجته الثانية في 2018 في السودان والجزائر، تأكد للجميع أن هناك خطر وجودي حقيقي يهدد الدولة في العالم العربي، خطر يجعل بعض الدول موجودة أو غير موجودة.

وبالرجوع إلى الذين تعمقوا في دراسة الدول التي تعرضت للتفتت والهدم مثل اليمن أو سورية وليبيا تأكد للجميع أن هذه الدول كانت تحمل بين طياتها منذ استقلالها وتكوينها عوامل هدمها، فايروسات الفناء هذه كانت كامنة في بنيتها وقت تأسيسها، فاليمن ظهر فيه فايروس القبيلة فوق الدولة وانتهى بنا المطاف إلى ما نحن عليه اليوم، "قبيلة" في شكل ميلشيا الحوثي تخوض حربا ضد دولة كاملة الأهلية والشرعية حتى لو تآكلت مؤسساتها.

وفي سورية ضرب فايروس التمذهب والآيديولوجية الدينية كل شيء، فظهرت ورقة العلوية كأقلية مستقوية بولاية فقيه شيعية جاءت من طهران وحزب الله اللبناني.

وهكذا ليبيا التي تحولت إلى صراع زعامات ونفوذ قطري تركي لتسمين وتربية ميلشيات العنف الديني، لأن هذه الدولة لم تكن دولة راسخة تفككت وانهارت.

"الدولة الوطنية" غيابها علة المرض وحضورها وصفة العلاج.. من هنا أدخل إلى كتاب صدر حديثا حمل عنوان: "الدولة الوطنية صناعة النهوض" لواحد من رجالات العلم والتعليم في دولة الامارات العربية المتحدة الدكتور علي راشد النعيمي, وفيه يتجاوز الخوض المفصل في الأمراض، بل يقفز مباشرة إلى مخارج الحلول ، كما يظهر في كلمته على غلاف الكتاب الخلفي: "ما تحتاجه مجتمعاتنا هو ترسيخ الدولة الوطنية، دولة المواطنة، دولة التعاقد القانوني بين الإنسان والدولة، ليست دولة قوم أو عرق أو عنصر بشري متعال على الآخرين".

الكتاب الذي جاء في 175 صفحة من القطع السريع يتنقل برشاقة بين عناوين فرعية، إذا وضعتها متجاورة ستشكل رسما دقيقا لمكونات الدولة الوطنية بمعناها الدقيق، وفي الوقت نفسه تزيح عنها كل المسميات التي أحدثت خلطا مريضا أو ثغرات أدت إلى تفكيكها.

فهو في البداية يضع "الدولة الوطنية" في تجاور مع كل ما يمثل نقيضا لها، فيبدأ بالخلافة كشكل للحكم وكفكرة مؤدلجة يسعى أصحاب جماعات الإسلام السياسي إلى فرضها باعتبارها شرعا وشريعة كما تدعي جماعة "الاخوان" و"القاعدة" و"داعش" وغيرها، فلا فرق بين ما يعلنه أبو بكر البغدادي من على منبره وبين ما كتبه حسن البنا في رسائله أو كتبه سيد قطب في مؤلفاته. فالخلافة لم تكن شرعا ولا شريعة، بل شكل من أشكال الحكم وليد مرحلة مضت وانتهت.

ثم ينتقل إلى مطب آخر وقع فيه الفكر الإسلامي أحيانا ووقعت فيه الجاليات المسلمة التي تعيش في بلاد غير إسلامية أيضا، هو الفرق بين الأمة الإسلامية والدولة والوطنية؛ فالأمة لا تعدو أن تكون رابطة عاطفية معنوية، فالمسلمون أمة لكنهم يعيشون في دول عدة متفرقة في الصين وفي أميركا، شريطة ألا تتعارض انتماءاتهم الدينية مع انتماءاتهم الوطنية.

لم يتجاهل النعيمي في كتابه إظهار نقيض آخر لـ الدولة الوطنية هو "الطائفية"، أو كما أطلق عليها "الدولة الطائفية"، تلك الدولة التي هي أبشع من الدولة الدينية التي سقطت من حساب التاريخ، وهنا يشير إلى أنموذج الدولة الخمينية الإيرانية التي تأسست عام 1979، فهو يقول: "لقد كانت الدولة الخمينية ثاني دولة طائفية في القرن العشرين بعد قرار الأمم المتحدة رقم 181 بتقسيم فلسطين وقيام إسرائيل 1947"، فالدولة الطائفية الإيرانية تقر في دستورها أنها دولة شيعية، ليست شيعية فقط بل على المذهب الاثني عشر، وأن السيادة فيها لولاية الفقيه الذي ينوب عنه الإمام الغائب وليس للشعب كما في الدولة الوطنية. وتبعا لذلك يصبح المسلمون من غير المذهب الشيعي الاثني عشري ومن غير المسلمين مواطنين من الدرجة العاشرة، وهنا نكون أمام دولة تقوم على التمايز والتفرقة.

انطلاقا من تجربة شخصية عاشها المؤلف بالقرب من جماعة "الإخوان المسلمين" يخصص في كتابه فصلا كاملا بعنوان: "الإخوان الخطية الكبرى"، متنقلا بين عناوين فرعية بمثابة تشريح دقيق لما فعلته الجماعة داخل المجتمعات باعتبارها معول هدم قسم وفتت الدول كمؤسسات ودمر جينات الولاء عند المواطن، فخلق مواطنا "لا منتميا" على حد وصفه، مستدلا بما قاله مرشد جماعة "الإخوان" في مصر مهدي عاكف: "إن المسلم الماليزي أقرب إليّ من القبطي المصري".

تحطيم حصن الولاء هذا خلق مواطنا عربيا مسلما قابلا لأن يكون "مرتزقا" بيقين، بمعنى هو يقاتل في أفغانستان ضد الاتحاد السوفياتي سابقا ويقاتل في العراق ضد الأميركين أو في ليبيا أو في سورية، يقاتل على غير أرضه وفي معارك ليست معاركه لأنه تم تشويه معنى الوطن في ذهنه.

في المحصلة فإن كتاب "الدولة الوطنية صناعة النهوض" للدكتور علي النعيمي هو بمثابة أشعة مقطعية بالصبغة على جسد المجتمع العربي أظهرت جملة من الأمراض والشروخ والأورام تمثلت جميعها في معوقات ونواسف لتأسيس كيان ثابت يمكن أن نبني عليه مؤسسات تقدم للشعوب خدمات بعيدة عن التمايز والمحاصصة.. كيان وظلة اسمها "الدولة الوطنية".

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدولة الوطنية وصناعة النهوض الدولة الوطنية وصناعة النهوض



GMT 05:00 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تحت البحر

GMT 04:57 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 04:54 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

لا سامح الله من أغلق ملفات الفساد

GMT 04:50 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد صلاح يصنع كتالوجه الخاص

GMT 04:47 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

انتصرنا!

GMT 04:42 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكر السياسي سيرورات لا مجرّد نقائض

GMT 04:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

«إنت بتفهم في السياسة أكتر من الخواجه؟!»

GMT 04:37 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مجموعة العشرين وقمة اللاحسم

تارا عماد تتألق بإطلالات عصرية ملهمة لطويلات القامة من عاشقات الموضة والأناقة

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 06:02 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 13:42 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 19:16 2020 الإثنين ,04 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 14:22 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 07:37 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 07:39 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 22:52 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

GMT 01:41 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 05:58 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 18:41 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

أميركا توسع قائمة العقوبات ضد إيران

GMT 21:49 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

انتقال النسخة الـ23 من بطولة كأس الخليج إلى الكويت

GMT 16:12 2016 الخميس ,30 حزيران / يونيو

أجنحة الدجاج بالليمون والعسل

GMT 09:12 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

استبعاد تاج محل من كتيب السياحة الهندي يُثير السخرية
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday