عن الأفكار والنساء والمقاومات
أخر الأخبار

... عن الأفكار والنساء والمقاومات

 فلسطين اليوم -

 عن الأفكار والنساء والمقاومات

بقلم :حازم صاغية

 

بعد اختيار الشيخ نعيم قاسم أميناً عامّاً لـ»حزب الله»، اهتمّ بعض المتابعين في الصحافة ووسائل التواصل بأفكار الرجل وقِيَمه. فهو مَن عُرف، تبعاً لكتاباته وتصريحاته، بفائض من المحافظة يفوق متوسّط المحافظة عند حزبه، وهذا علماً بأنّ المتوسّط الحزبيّ مرتفع جدّاً.

وكان الزميل حسام فرّان، في موقع «درج»، قد رصد بعض أبرز ما صدر عن قاسم على الصعيد هذا، فنقل عنه آراء من نوع أنّ شبيبة الحزب «بدل أن تتوجّه إلى المراقص والخمّارات توجّهت إلى قمم الجبال وقتال إسرائيل والتكفيريّين»، وأنّ «الانتباه» واجبٌ علينا حيال «وجود الصبيان والبنات في المدارس في مكان واحد». أمّا الاختلاط المنبوذ هذا فلا تتحمّل مسؤوليّته، في عرف الشيخ، إلاّ النساء حصريّاً. ونعيم إذ يقدّم النِسويّة الفرنسيّة سيمون دو بوفوار داعية من «الداعيات إلى حرّيّة المرأة الكاملة بلا ضوابط»، يهاجم «تحرّر اللباس لدى النساء»، ويطالبهنّ «بالانصياع إلى سلطة الرجل»، رافضاً فكرة «توظيف المعلّمات المطلًّقات» لأنّ السيّدة المطلّقة «غير مؤهّلة لتربية الأطفال وتدريسهم»...

ما لم يُشر إليه الزميل فرّان، وهو ممّا يكمّل اللوحة التي رسمها لعالم القيم لدى الشيخ قاسم، رفعُه درجة المماهاة التي أقامها بين المقاومة وطائفة معيّنة هي الطائفة الشيعيّة، إذ المقاتلون، وفقاً له، «قذائف مشحونة بحبّ الحسين». وكذلك اللاساميّة ومماهاة إسرائيل والصهيونيّة بـ «اليهود» على نحو إطلاقيّ، وهذا أيضاً ممّا رفعه خطاب الأمين العامّ إلى ذروة أعلى من المتوسّط الحزبيّ المرتفع.

وكان الكثير من الجهد الفكريّ الذي سبق أن بذله، في الستينات والسبعينات، كتّاب ومثقّفون فلسطينيّون وعرب، لا يُشكّ بعدائهم «للاستعمار والإمبرياليّة والصهيونيّة»، ينصبّ حول توكيدين نقيضين: من جهة، أنّ اليهوديّة والصهيونيّة شيئان مختلفان، ومن جهة أخرى أنّ «التحرّر الوطنيّ» يعني شعباً بأكمله، ولا يقتصر على جماعة من جماعاته.

بيد أنّ الانتكاسة الخطابيّة التي عبّرت عنها كلمة قاسم، والتي تتوّج انتكاسات متتالية في قيادة «حركات التحرّر» ووعيها، تحضّ على مغادرة التعميمات الإنشائيّة والكليشيهات كتلك التي تتوقّف عند كون المقاومة حقّاً مشروعاً لمن يُحتلّ، وهي كذلك من حيث المبدأ، أو تلك التي تنظر إلى المقاوم بوصفه مَن يحقّ له ما لا يحقّ لغيره، لمجرّد أنّه مقاوم. ذاك أنّ التثبّت عند التعميم ومغازلة المبادىء خارج شروط واقعيّة محدّدة يرفعان نوعيّاً أكلاف المواجهات، كما يرشّحان الباحثين عن النصر العسكريّ لمواجهة هزائم لا حصر لها في مجالات حياتيّة شتّى، حتّى لو أحرزوا النصر العسكريّ المرتجى.

فالمقاومات لأنّها تنهض على العنف، وهذا بالتعريف حالُها، تستوجب إبداء الحذر الذي ينجم عن عنفيّتها تحديداً، لا الذهاب مذهب التمجيد (الفانونيّ) لهذه العنفيّة المبرّأة من كلّ نقد. والذين يؤثرون غضّ النظر عن «هفوات» المقاومين لأنّهم يقاومون، يُستحسن بهم أن يتوقّفوا عند هذه «الهفوات» حين يتّضح أنّها كوارث. والشيء نفسه يقال عن الزمن الذي يُستحسن أن لا يُنظر إليه بوصفه الحاضر الداهم والمباشر فحسب، عملاً بعبارة امرىء القيس من أنّ «اليوم خمر وغداً أمر»، لأنّ ما نبتلعه اليوم من سموم قد يبتلعنا غداً.

وفي بلدان كبلداننا، ذات نسيج اجتماعيّ ووطنيّ ضعيف، يمكن لامتلاك أدوات العنف، باسم المقاومة، أن يتحوّل جسراً لتجبّر جماعة على جماعات أخرى «من أخوتنا في الوطن»، أو يتحوّل، في حال الانتصار العسكريّ، مقدّمةً لفرض حكم فئويّ وجائر عليهم.

وما دام العنف وحمل السلاح ممّا يرتبط بالذكورة، فهو بيئة مثلى لتحكّم الرجل المسلّح بالمرأة العزلاء، وهذا قبل أن يبوّب الشيخ نعيم المرأة في مرتبة دونيّة. ومعروفةٌ تجربة الثورة الجزائريّة مع النساء اللواتي شاركن فيها، حتّى إذا انتصرت الثورة سرّحتهنّ وأعادتهنّ إلى البيت أمّهاتٍ ومُنجبات ومُربّيّات وطبّاخات فحسب.

فالرجاحة ليست ممّا يتطلّبه العنف بما يلازمه من إلحاح على تعبئة الجماعة عبر مخاطبة مواريثها اللاعقلانيّة، وتأثّر شعوريّ مفهوم بأحوال الألم والمعاناة، ومداورة لأفكار الموت وما بعد الموت واستنطاق لمخيّلتها، وهذا فضلاً عمّا يظهر أحياناً من مناشدة للمعجزات الغيبيّة وللخوارق البطوليّة. وفي الصراعات العنفيّة، كائنةً ما كانت درجة الحقّ السياسيّ الذي تنطوي عليه، تتطوّر رؤية رجعيّة للذات وللعالم، يزيدها تأجّج العنف رجعيّةً فلا تتراجع إلاّ بعودة الحياة المدنيّة والسلميّة.

ولسوف يبقى مستغرَباً، وباعثاً على الأسى، أن تكون الأفكار الأشدّ تخلّفاً، في لبنان كما في غزّة، هي الأفكار التي يرشّحها أصحابها لتحرير سواهم من خلال المقاومة. والتناقض هذا هو ما يفسّر جوانب من العزلة التي يعيشها أصحاب الأفكار هذه عن القوى والفئات الأشدّ وعياً وديناميّة في مجتمعاتها. فعبر الشيخ قاسم ووعيه، هو الذي وصل إلى موقعه القياديّ في الظروف البائسة المعروفة، لا تتحقّق إلاّ مصالحة واحدة بين اللغة اليائسة والمعركة اليائسة. وهذا ما يستدعي اقتصاداً أكبر في توقّع الانتصار، وفي الرهان على أن يكون انتصار كهذا، حتّى لو تحقّق، سبباً للأمل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 عن الأفكار والنساء والمقاومات  عن الأفكار والنساء والمقاومات



GMT 01:18 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

اغتيال فاطمة حسونة منح فيلمها الحياة

GMT 01:14 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

هل أخطأت سلسلة بلبن؟

GMT 00:53 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

غزة مسئولية من؟

GMT 00:50 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

«هزيمة» أم «تراجع»؟

GMT 00:48 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

الأردن في مواجهة إوهام إيران والإخوان

GMT 00:43 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

عصر الترمبية

GMT 00:41 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

قراءة لمسار التفاوض بين واشنطن وطهران

إطلالات النجمة يسرا المدهشة من فساتين الكاب إلى الجمبسوت

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تتميز دائماً النجمة يسرا بإطلالتها الأنيقة بمختلف الأوقات، ولكن لا زالت تحتفظ بأناقتها مع مرور السنوات. واحتفالاً بعيد ميلادها قررنا أن نشارككِ أبرز صيحات الموضة التي حرصت على اختيارها النجمة يسرا بمختلف الأوقات سواء بالحفلات والمهرجانات، والتي ساعدتها في الحصول على مظهر أنيق ورائع يخطف الأنظار. الفساتين بموضة الكاب اختيار يسرا كانت فساتين السهرة بموضة الكاب من أكثر الصيحات المفضلة لدى النجمة يسرا عند ظهورها على السجادة الحمراء في مختلف دول العالم. حيث اختارت الفستان العاجي المطرز بتفاصيل ذهبية، وذلك عند حضورها حفل الأوسكار 2020. لهذا تميل دائماً لاختيار هذه الموديلات من توقيع المصممين العرب مثل زهير مراد وإيلي صعب وجورج حبيقة. اختارت أيضاً الفستان السماوي بموضة الكاب بأقمشة الشيفون بشكل ناعم مفعم بالأنوثة خلال حضورها �...المزيد

GMT 11:50 2020 الإثنين ,13 إبريل / نيسان

أجمل 5 شواطئ في المملكة العربية السعودية

GMT 19:04 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

كيف تعلمي طفلك الصبر؟

GMT 09:43 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

مرسيدس تطلق سيارتها "سي إل أس"الجديدة والمميزة

GMT 19:49 2020 الأحد ,14 حزيران / يونيو

أرامكو تنفذ صفقة الاستحواذ على 70% من سابك

GMT 21:03 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

عداء أميركي يفوز بماراثون افتراضي

GMT 09:38 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

كمال الشناوي

GMT 05:38 2017 الجمعة ,04 آب / أغسطس

أزمة المياه؟!

GMT 09:11 2016 الأربعاء ,28 كانون الأول / ديسمبر

أسباب نجاح مسلسلات السيرة الذاتية لكثير من الشخصيات المهمّة

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday