بقلم : رجب أبو سرية
نتيجة لقاء الدكتور حنا ناصر، رئيس لجنة الانتخابات المركزية مع حركة حماس في غزة، تبدو مفاجئة، بالنظر إلى تصريحات قادة الحركة قبل ذلك اللقاء، وبعد إعلان الرئيس محمود عباس قبل أكثر من شهر في الأمم المتحدة نيته الدعوة لإجراء الانتخابات فور عودته إلى البلاد من نيويورك، لدرجة أن الدكتور ناصر نفسه، يبدو متفاجئا أيضا، حيث إن قوله إننا بتنا قاب قوسين أو أدنى من إجراء الانتخابات بعد لقاء الاثنين يبدو «متفائلا» جدا، بالنظر إلى ما أبدته الفصائل و»حماس» من ليونة حسب وصفه.
قبل وصول الدكتور ناصر لغزة، كان بعض قادة حماس يؤكدون ضرورة عقد اجتماع الأمناء العامين، وأن تكون الانتخابات متزامنة، أي أن تشمل انتخابات المجلس التشريعي ورئاسة السلطة والمجلس الوطني الفلسطيني معا وفي نفس الوقت، كذلك قلل بعض الفصائل ومنها الجهاد الإسلامي من أهمية أو ضرورة إجراء الانتخابات معتبرة أن الحفاظ على المقاومة أهم، فيما كان معظم فصائل غزة تشترط حدوث توافق وطني يسبق إجراء الانتخابات، أي قبل أن توافق على إجرائها من حيث المبدأ، بما يعني عقد مؤتمر وطني أو إجراء حوارات فصائلية أو ما إلى ذلك، لذا فإن إعلان رئيس اللجنة المركزية للانتخابات يؤكد فعلا شيئا من المفاجأة.
أما عن السبب وراء ذلك، فيبدو أن حماس قد اتخذت قرارها بممارسة نفس اللعبة، أي أن لا تبدو كطرف يرفض إجراء الانتخابات من حيث المبدأ - وهي التي لا تقوم بها ولا حتى على مستوى المجالس المحلية، ولعل ما فعلته فيما يخص بلدية رفح قبل أيام وبلدية غزة قبل أشهر من تعيين لرئيسي البلديتين خير دليل على ما نقول - فهي تظن أن الانتخابات من الصعب جدا أن تجرى، إن لم يكن من المستحيل في هذه الظروف، حيث العلاقة تكاد تكون مقطوعة تماما بين السلطة وإسرائيل وكذلك بين السلطة والولايات المتحدة، وأن التفاصيل ستكون عنصرا إضافيا لإعاقة الأمر أو عرقلته، لذا فليس من الضروري أن تحمل على أكتافها وزر رفض إجراء انتخابات من الصعب جدا أن تجرى لأسباب لها علاقة بالتنفيذ، ومن جهات خارجية، ولو افترضنا جدلا بأن إسرائيل وأميركا اضطرتا للموافقة على إجرائها وحتى على أن تشمل القدس، حينها يمكن لحماس أن تعرقلها بألف طريقة وطريقة.
وعلى كل حال، حتى لو جرت الانتخابات وخسرتها حماس، فإن واقع الحال لن يتغير بالنسبة لها كثيرا، ولا حتى بأي شكل من الأشكال، ذلك أن الحكومة التي سيتم تشكيلها بعد ذلك ستطالب بتسليم غزة من القوة التي تسيطر عليها وهي القسام والمجموعات المسلحة، ومنها سرايا القدس، وهذا كان دائما مربط الفرس، الذي يحول البحث فيه دون أن تقول حكومة السلطة إنه قد تم تمكينها من غزة، وحدث ذلك رغم توقيع اتفاق تشرين الأول من العام 2017، واتفاق الشاطئ الذي سبقه بعامين، بل وتم تشكيل ما سميت حكومة «التوافق» على أثره، دون أن يعني ذلك إنهاء الانقسام، أي أن إجراء الانتخابات، هذا إن تمت، سيعني إنهاء الانقسام شكليا ورسميا، كما هو الحال - تقريبا الآن - لكن على الأرض سيبقى الحال كما هو أيضا، وفي كل الأحوال فإن حماس قد فهمت من درس الانقسام، أنه لكون نظام السلطة إنما هو رئاسي، فإن موقع رئيس السلطة الذي احتفظت به فتح، رغم خسارتها للتشريعي، قد أبقى ورقة الشرعية بيدها، لذا فإن حماس تتنازل عن شرط تلازم انتخابات التشريعي والرئاسة، مقابل تعهد من الرئيس بإجراء انتخابات الرئاسة بعد التشريعي، وهي تعرف أيضا أن التشريعي وهو مركز سلطتها الرسمية على الأرض لا يعني شيئا خاصة بعد المرسوم الرئاسي بحله، لذا فان حماس أبدت المرونة في الشكل أو الموقف، في انتظار التفاصيل المرتبطة بالتنفيذ، وطالما بيدها ورقة القسام والقوة العسكرية المسيطرة على قطاع غزة، فإن كل ما عدا ذلك يبدو أمرا يمكنها التعامل معه.
وحتى المرونة التي تحدث عنها ناصر، لا تعني أن الانتخابات ستجرى غدا، فإضافة إلى العقبة الإسرائيلية والأميركية، وكيفية الإجابة عن سؤال إجراء الانتخابات خاصة في القدس الشرقية، فإن حماس تعتقد أن إعلان السلطة ما هو إلا شعار اعتراضي ضاغط على إسرائيل، من ضمن سلسلة سياسة الانفكاك عن الاحتلال. أي ما هي إلا شعار اعتراضي تحريضي، ليس من الحكمة أن تقف في طريقه، ما دام المقصود منه بالدرجة الأولى إسرائيل، ولو تم تجاوز هذه المعضلة، بشكل أو بآخر، فان «التوافق» الذي طالبت به فصائل غزة، يعني في أقل مستوى له، الاتفاق على نظام الانتخابات، وكيف سيجري، وفق التمثيل النسبي الكامل أم المختلط، ثم بعد ذلك حديث القوائم، وحماس تعرف أنه رغم كل شيء، فهي ما زالت منافسا حقيقيا لحركة فتح، في الشارع الفلسطيني، وصورتها كفصيل انقلابي قد بهتت بعد سنوات الانقسام، وبعد أن اختلطت أوراق الإقليم، وجرت في النهر مياه عديدة.
مع كل هذا فإن «مرونة» حماس لم تكن مجانية، فهي أولا قد استقبلت حنا ناصر ضمن مجموع فصائل العمل الوطني، حيث باتت تحرص منذ وقت على أن تعلن موقفها ضمن الموقف الجماعي لمجموع فصائل غزة، خاصة تلك التي لها أذرع عسكرية مسلحة، لأن لها جميعا وحدة حال أو وحدة موقف تتمثل في أنها جميعا تخضع لقرار عسكرها، وكما أشرنا فإن عقد المنشار في النهاية هي سلاح ما تسمى المقاومة في غزة، وإن كان سيخضع للحكومة المنتخبة أم انه سيظل فوق القانون أو حتى خارجا عنه أو عليه، هذا من جهة ومن جهة ثانية أكد الموقف الفصائلي ضرورة عقد لقاء وطني شامل يكون مقررا كممر إجباري لإجراء الانتخابات.
الأهم برأينا هو أن إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة، سيعيد مركز السلطة إلى قطاع غزة، وهذا يعزز من قوة حماس حتى لو كانت في المعارضة، وتحكم من تحت الأرض، ذلك أن قطاع غزة محرر من الاحتلال، وعلى عكس الضفة المهددة بالضم كلها أو مساحات واسعة منها، تبدي إسرائيل في حال سيطرت عليها السلطة المعترف بها، استعدادها لفك الحصار عنها وفق انفراجة سياسية ما، ولعل هذا الأفق يفتح الباب واسعا لتتجاوز حماس في حال فوزها أو شراكتها إن كان وفق قائمة مشتركة أو حكومة وحدة لاحقا، تهمة دولة غزة، فتجلس على مقعد مشابه لمقعد حزب الله في لبنان.