بقلم : هاني حبيب
خرج قضاة المحكمة الجنائية الدولية إلى إجازتهم الصيفية والتي تستمر ثلاثة أسابيع بعد أن فشلوا في التوصل إلى قرار نهائي بشأن الولاية الجغرافية للمحكمة التي تقوم بتحقيقات جنائية حول جرائم الاحتلال الاسرائيلي في المناطق الفلسطينية، وبينما من المتوقع أن يعاد النقاش من قبل القضاة حول هذه المسألة بقوة بعد عودتهم من الإجازة، يرى وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي أنّ ذهاب القضاة إلى إجازة لا يمنعهم من إصدار قرار لفتح تحقيق في جرائم الاحتلال أثناء هذه الإجازة، في حين يتوقع رئيس الإدارة العامة للأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة وحقوق الإنسان في وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية عمر عوض الله أن يصدر مثل هذا القرار بعد انتهاء الدائرة التمهيدية بالمحكمة من الفصل بالولاية الجغرافية على الأرض الفلسطينية.
لا شك في أن عدم صدور قرار من المحكمة حول جرائم الاحتلال في موعده المقدّر قبل إجازة المحكمة قد لقي ترحيباً من دولة الاحتلال، مع علمها أن الأمر مؤجل ليس إلاّ، ذلك أنّ مثل هذا التأجيل يمنحها فرصة أفضل لمزيد من الإعداد الممنهج والمنظم لمواجهة القرار المحتمل إلى حدٍ بعيد بفتح مثل هذا التحقيق من قبل المحكمة، وذلك بوساطة مجموعة كبيرة من الأدوات «المكشوفة والخفية» حسب وسائل الإعلام الإسرائيلية التي أشارت إلى أنّ حكومة الثنائي نتنياهو - غانتس أولت هذا الأمر اهتماماً بالغاً عندما كلفت وزيراً بملف الجنائية الدولية وهو الوزير إلكين.
تأخذ المواجهة الإسرائيلية لقرارات المحكمة مسارات عديدة هجومية ودفاعية، ذلك أنّ إسرائيل لا تراهن على ما يقال عن إمكانية نجاح ضغوطها المترافقة مع ضغوط إدارة ترامب في إخضاع المحكمة ما يؤدي إلى عدم صدور قرار بالتحقيق بجرائم الاحتلال أو على الأقل التمهّل ثم الإرجاء والتأجيل إلى أجل غير مسمّى ومفتوح على كل الوقت دون صدور مثل هذا القرار، لذلك فإن دولة الاحتلال تضع بالاعتبار أن المحكمة في نهاية المطاف وبعد ثلاثة أسابيع تحديداً ستكون ملزمة باتخاذ مثل هذا القرار، لذلك كله كانت المؤسسة الإسرائيلية التي تعالج هذا الملف قد استبقت مثل هذا القرار بإعداد قائمة سرية تضم ما يقارب الـ 300 شخصية من المتوقع أن تشملهم عملية التحقيق حيث منعتهم دولة الاحتلال من السفر خشية ملاحقة المحكمة لهم.
وتضم هذه القائمة رئيس الحكومة ووزراء الأمن ورؤساء هيئة الأركان وكبار ضباط أجهزة الأمن السابقين والحاليين والعديد من كبار الضباط في الجيش والأمن، ويُشكّل إعداد هذه القائمة التي ستتسع مع الوقت المتاح حتى صدور القرار المؤجل من قبل «الجنائية» الدولية اعترافاً ضمنياً بمسؤولية دولة الاحتلال وخاصة هؤلاء الذي وردت أسماؤهم في القائمة عن المجازر التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني بالضفة والقطاع المحتلين.
وإذا كان إعداد هذه القائمة التي ستضم أيضاً كبار الساسة الذي يشجعون ويدعمون الاستيطان يمثل مساراً دفاعياً في سياق مواجهة الاحتلال للجنائية الدولية، فإن المسار الهجومي يتخذ أبعاداً إضافية بعدما شكّل ألكين فريقه الهجومي والمكون من ممثلين كبار عن وزارة الخارجية والجيش والعدل والشؤون الاستراتيجية ومجلس الأمن القومي والعديد من المستشارين الحقوقيين والأمنيين، وإذا كان هذا المسار يتخذ خطوات سرية فإن إحدى أدواته تتعلق بالتأثير على قرارت القضاة من حيث اتهامهم بتسييس القرارات أو عدم حياديتهم، وقبل أيام تم تحديد ثلاثة قضاة تواصلوا مع عائلات الضحايا الفلسطينيين وأوعزوا بفتح صفحة إعلامية على موقع المحكمة عبر الانترنت موجهة حصرياً للفلسطينيين، هؤلاء القضاة الثلاثة الذين وضعهم الاحتلال تحت الشبهات بالنسبة له، هم: الفرنسي مارك بيرن والمجري بيتر كوفاكس وزين صوفي من بينين والذين يشكلون الدائرة التي كلفت للبت في مسألة اختصاص المحكمة الجنائية، صحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة من رئيس الحكومة اعتبرت أنّ تحرّك هؤلاء القضاة غير عادي ويتسم بالغرابة وأنّ اسرائيل تخشى من نجاحهم في دفع إسرائيل عبر ممثليها ممن ارتكبوا جرائم كبرى ضد الفلسطينيين إلى المحاكمة في لاهاي.
تعيد إسرائيل تأجيل قرار المحكمة إلى عاملين: كبح جماح الضم باعتباره مساومة ومقايضة مع عدم اتخاذ قرار من قبل المحكمة، والقرار الفلسطيني بالتنصل من الاتفاقات مع دولة الاحتلال، مع ذلك فإن كافة التوقعات تشير إلى أنّ صدور قرار التحقيق بجرائم الاحتلال مسألة وقت ليس إلاّ.