بقلم : هاني حبيب
قراءة للمشهد الإسرائيلي العام على صعيد الواجهة السياسية للدولة العبرية، تشير إلى تحلل غير مسبوق في سلطات الدولة الثلاث، التشريعية ممثلة بالكنيست والتنفيذية ممثلة بالحكومة والقضائية ممثلة بالمحكمة العليا وبالمستشار القضائي للحكومة، في إطار النظام الديمقراطي عادة ما يكون هناك توازن بين مختلف السلطات في ظل تكاملها مع الصلاحيات المحددة لكل منها في سياق النظام السياسي الإسرائيلي عادة ما تستقوي سلطة من هذه السلطات على بقيتها إلاّ أنّ الوضع الحالي في المشهد يشير إلى تفكك وترنح كافة السلطات في وقتٍ واحد.
لكن وقبل الدخول في تفاصيل هذا المشهد علينا مراجعة آخر نتائج استطلاعات الرأي التي نشرت قبل أيام قليلة والتي تشير بوضوح إلى تراجع نتنياهو وحزب الليكود من 40 مقعدا إلى 36 مقعدا.
وحسب هذا الاستطلاع فإن الساحة الحزبية الاسرائيلية شهدت انزياحات مهمة داخل إطار المجمع الحزبي اليميني الذي يقوده نتنياهو، فقد تبين أنّ هناك أعضاء كنيست من الحريديم غاضبون جداً من سياسة نتنياهو الداخلية وأخذوا بالتقرب من وزراء داخل الحكومة والكنيست خاصة وزراء «أزرق - أبيض» بيني غانتس وغابي اشكنازي وآفي نيسانكورين، يضاف إلى ذلك فإن الاستطلاع الأخير يشير إلى أنّ هناك تزايداً في أعداد ناخبي تحالف أحزاب اليمين المتطرف ممن سيدعمون حزب يمينا برئاسة نفتالي بينت الذي سيضاعف مقاعده لتصل إلى 12 مقعداً وهو ما يفسّر نسبياً تراجع عدد مقاعد الليكود.
في خضم المعركة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية نجحت الأولى في السطو على صلاحيات الثانية. وجرى ذلك عندما تقرر أن تنفرد الحكومة باتخاذ القرارات حول إعلان حالة الطوارئ أو تمديدها وكذلك تخويل الشاباك مراقبة المواطنين عبر تطبيقات أجهزة الهاتف الخلوي من دون العودة إلى الكنيست بذريعة أنّ السرعة مطلوبة في هذا الصدد، وهو مبرر غير مقنع لأنّ مثل هذه القرارات تتطلب مطالعة وقراءة تفصيلية للأوضاع قبل اتخاذ أي قرار بالنظر إلى تداعياته الخطيرة والأكيدة لأي قرار يتخذ بهذا الصدد، وما يلفت الانتباه أنّ الكنيست من خلال أغلبية قوى اليمين المهيمنة هو نفسه الذي تنازل عن صلاحياته في سياق تواطؤ شهد عليه التصويت حول هذه المسألة في تجاهل واعٍ للضوابط والتوازنات التي يجب أن يخضع لها النظام الديمقراطي.
رئيس الائتلاف الحكومي النائب الليكودي ميكي زوهار بشّر أنّ هذه الحكومة لن تستمر طويلاً بسبب الخلاف الجوهري بين الثنائي نتنياهو غانتس، داعياً إلى عدم الالتزام بما تم الاتفاق عليه لتسليم الثاني مقاليد رئاسة الحكومة عندما يأتي الوقت المحدد، مع ذلك استدرك مشيراً في مقابلة مع «إسرائيل اليوم» أن «كورونا» هو الذي يجعل الحكومة لا تزال مستمرة.
وخلافاً لرأي زوهار فإن «كورونا» نفسه يمكن أن يقصّر من عمر الحكومة على ضوء فشل نتنياهو في إدارة أزمة الوباء ووصول الأزمة الاقتصادية إلى وضع من الصعب إصلاحه خاصة مع بدء موجة بطالة ثانية بسبب الوباء والتي من المحتمل أن تصل إلى ما يزيد على 20% مقارنة مع قرابة 4% أثناء موجة الوباء الأولى.
ومن الواضح أن الوضع الاقتصادي المتأزم هو أحد المؤشرات ذات الدلالة التي أدت إلى تراجع شعبية نتنياهو والتخوف من المستقبل على ضوء أرقام بالغة التأثير على الناخب الاسرائيلي.
وفي وقت سعى فيه الليكود وبشكل متواصل لإضعاف سلطة القضاء وبينما فرض على الكنيست مناقشة التحقيق مع القضاة حول تنازع المصالح بتجاهل تام حول المسائل ذات الأولوية والمتعقلة بإدارة أزمة الكورونا، فإن نتنياهو الذي دفع بشأن هذا التحقيق هو نفسه تغيب مع عدد من أنصاره عن التصويت ما يشير إلى ضعف الليكود من ناحية وأن الانقضاض على سلطة القضاء ما زال من أولويات نتنياهو خاصة بعد قيامه بسلسلة تعيينات في الشرطة وجهاز إنفاذ القانون ما استدعى قيام المستشار الحكومي مندلبليت بتوجيه رسالة إليه تشير إلى أن هذه التعيينات تنطوي على تناقض مصالح بالنظر إلى خضوع نتنياهو إلى سلسلة محاكمات كما هو معروف.
قد يهمك أيضا :
لقاء "حماس" - "فتح": قراءة أولية سريعة
التمديد لرئيس الموساد.. ونظرية المؤامرة