بقلم : هاني حبيب
مع الاجتياح الواسع لوباء الكورونا لخارطة العالم، وسقوط أعداد متزايدة تحت سطوته من إصابات ووفيات بالتوازي مع إجراءات قاسية اتخذتها السلطات بهدف الحد من انتشاره وجموحه، يتبين من الوهلة الأولى أن هذا الوباء يتوجه في هجومه على الجميع أفراداً وفئات وطبقات ومجتمعات دون استثناء، حيث يبدو في هذا السياق وكأنه ساوى في هجومه واجتياحه بين كبار الساسة والقادة والزعماء والفنانين ولاعبي كرة القدم أسوةً بالمواطنين العاديين، بين الفقراء والأغنياء سكان المدن وسكان الأرياف، وكأنه أخضع جميع هذه المكونات البشرية الاجتماعية لسيطرته القاتلة بشكلٍ متساوٍ، إذا يبدو من الناحية الشكلية الظاهرية أن هذا الوباء اتخذ من قيم «المساواة» هدفاً له !.
يدور الحديث هنا، حول قراءة خاطئة متسرعة وظاهرية دعمتها ما تداولته وسائل الإعلام عن إصابات ووفيات لحقت بعدد من الساسة والزعماء والفنانين ولاعبي كرة القدم ومن كافة النخب المعروفة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، إلاّ أن هذه القراءة الظاهرية تخفي في الواقع قراءة موضوعية أكثر دقة وأقرب إلى حقيقة صادرتها عملية خداع واضحة، إذ إنّ هذا الوباء في الواقع رغم الصورة الظاهرية هذه، لا يخضع جميع الفئات الاجتماعية بنفس القدر إلى سطوته القاتلة، بل إنه أكثر انتقاءً وتمييزاً وعنصرية لضحاياه، على عكس ما يشاع عن قيم المساواة المخادعة التي اعتمدها البعض في قراءته الظاهرية لاستهدافاته.
إن ما ساعد على القراءة الظاهرية هذه، الطريقة التي تداولت بها وسائل الاعلام لضحايا كورونا، هناك مئات الآلاف من الضحايا كل لحظة وكل يوم، إلاّ أنّ هؤلاء يتم التعامل معهم من قبل وسائل الإعلام كمجرّد أرقام لا يبرز من بينها سوى قلة قليلة من أسماء الضحايا من النخب المذكورة والتي يتم التركيز عليها، حيث تواصل وسائل الإعلام الاهتمام بنشر الأخبار عن تطورات وتحوّلات هذا الوباء إزاء هذه النخبة من الأسماء، بينما تتعامل مع المجاميع البشرية الأخرى من الضحايا باعتبارهم مجرّد أرقام في لوائح في سياق منحنى التصاعد والتراجع، هذا التمييز في اهتمام وسائل الإعلام يخفي في الواقع الطبيعة العنصرية والطبقية والفئوية لاستهدافات هذا الوباء.
إنّ «كورونا» عندما يهاجم فإنه يتوجه عملياً إلى الفئات الضعيفة والفقيرة أساساً، وهي فئات لا تملك أي قدرة لمواجهة هذا الخطر نتيجة ظروفها الموضوعية البائسة وعدم وصول الرعاية الصحية إليها، وبالتالي فإن وصول هذا الخطر إلى الفئات النخبوية ما هو إلاّ مجرّد ضحايا هامشية لحرب الوباء على الفئات الضعيفة ليس إلاّ، وهي مجرّد «خسائر جانبية» كما في كل الحروب، هذه الضحايا من النخب نتيجة للاحتكاك أكثر من كونه نتيجة للاستهداف المباشر، إنّ قوائم الارقام من الضحايا معظمها من الفئات الضعيفة والمهمشة والفقيرة، لكنها تخلو من الأسماء وتبقى أسماء الضحايا من هذه النخب التي يتم التركيز عليها.
فعلى سبيل المثال، ولشرح المقصد، هناك مئات الآلاف من المشردين بدون مأوى خاصة في معظم عواصم الدول الغربية، أوروبا واميركا، وبينما تتم الدعوة من قبل أوساط الحكم ووسائل الاعلام في ضوء اجراءاتها لمواجهة هذا الوباء، فإن هناك دعوة للجميع للبقاء في البيت والالتزام بعدم الخروج إلى الشارع، لكن واقع الأمر أن هؤلاء المشردين ليس لهم من بيت يلجؤون إليه ووجودهم في الشارع ليس بإرادتهم، ولكن بسبب عدم توفّر الرعاية المجتمعية لهم، حيث يتخذون من هذا الشارع بيتاً وسكناً ومنزلاً ويتحولون إلى هدف سهل للوباء.
وماذا عن الفئات الأكثر فقراً في المجتمع؟ فهي في ظل الإجراءات المعتمدة للإغلاقات والعزل ستصبح أكثر فقراً على فقر بعد أن فقدت بعض ما كانت لها مما تحصل عليه من فتات، هذه الفئات التي تخضع لتجمعات بشرية متكدسة نظراً لضيق الحال، فإنها تصبح هدفاً مركزاً لهذا الوباء، ومن ينجو منها فسيتم القضاء عليه بسبب الجوع، وفي هذه الحالة لن تحظى هذه الفئات بفرصة إدراجها في قائمة الأرقام على الأقل، كونها لم تكن من الضحايا المباشرة للوباء، مع أنها تبقى الهدف الأوسع لهجومه.
وماذا عن الأسرى والمعتقلين والمسجونين؟ حيث لا تتوفر فرصة تحقيق سياسة «التباعد» بين الأفراد نظراً لظروف السجن والمعتقل، ما يجعل هذه الفئات هدفاً سريعاً للوباء.إذاً، وباء كورونا، عديم الرحمة ينتقي ضحاياه بتمعن ودقة من الفئات الضعيفة والفقيرة والمهمشة، وباء عديم المساواة، على خلاف القراءة الظاهرية السائدة!.