بقلم :هاني حبيب
بعد ساعات من أداء القسم كوزيرة للخارجية السودانية في التاسع من الشهر التاسع العام الماضي، وفي أول تصريح لها ورداً على أسئلة الصحافيين، قالت أسماء محمد عبد الله إن "الوقت الراهن غير مناسب لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل" لكنها أضافت، إن أولويات وزارتها ستكون إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب من خلال بحث هذا الملف والحوار مع الولايات المتحدة،
وعادت الوزيرة لتؤكد هذا الموقف في ردها على سؤال من قبل صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أثناء مشاركتها في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الحكومة الانتقالية السودانية عبد الله حمدوك، قائلة إن السودان لن يقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل "حالياً" وذلك أثناء الزيارة الأولى التي يجريها رئيس الحكومة الانتقالية الجديدة أوائل الشهر العاشر من العام الماضي بداية من العاصمة الفرنسية. إشارتنا إلى هذه الأقوال والتصريحات والمواقف، بأن مسألة اقامة علاقات دبلوماسية بين السودان وإسرائيل، هي مسألة وقت، ليس في "الوقت الراهن" ولا "حالياً" ولكن
الأمر مفتوح على المستقبل في سياق ازالة السودان من قائمة الإرهاب الاميركية بالتفاهم والحوار مع واشنطن، هذه المواقف تمت من قبل رئيس الحكومة الانتقالية الذي كان شاهداً على تصريح وزيرة خارجيته، وبالتالي فإن حمدوك ووزيرته مسؤولان عن هذه التصريحات والمواقف، والأمر لا يتعلق فقط بمجلس السيادة السوداني ورئيسه عبد الفتاح البرهان، الذي باشر عملية التطبيع بين الخرطوم
صاحبة اللاءات الثلاث والدولة العبرية بداية من العاصمة الاوغندية عنتيبي وبتوقيعه الشفهي مع نتنياهو، قبل يومين. إن حديث الحكومة المدنية في السودان، حول المفاجأة، وربما الصدمة من هذا التطور، هو حديث منافق أشد النفاق، ذلك ان اشاراتنا السابقة حول المواقف المعلنة، تؤكد أن هذا التطور الخطير تم بتفاهم وقناعات المستويات المدنية والعسكرية، الحكومة ومجلس السيادة في
الخرطوم، وان الإعداد لهذا الحدث الخطير تم منذ تشكيل الحكومة السودانية وبالتوافق التام مع المجلس العسكري.
إن هذا التطور الخطير، لا يشكل طعنة نجلاء في ظهر الشعب الفلسطيني، فحسب، بل هو أيضاً، وبالضرورة طعنة في قلب الشعب السوداني الشقيق، لأنه يضرب في الصميم مصالح الشعب السوداني مباشرة، فهناك بعض الدول العربية التي أقامت اتفاقات وعلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، تحت شعارات السيادة والمصالح، غير أن هذه الدول لا تزال تعاني من الفقر والفاقة وتراجع مستويات
التنمية، ولم ينقذها الاعتراف بإسرائيل من براثن التخلف كما بررت هذه العلاقات، أما بالنسبة للسودان الذي ما زال يعيش مرحلة انتقالية بعد إسقاط البشير، فإن من شأن هذا التطور تعقيد الوضع الداخلي بما لا يفسح مجالا حقيقياً للتخلص من تبعات الماضي.
وإذا لم يكن هذا التطور الخطير ليشكل مفاجأة، فإن التوقيت لإعلانه، اثر صفقة ترامب ـ نتنياهو، وبعد انعقاد مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية، وانعقاد منظمة التعاون الاسلامي، والخروج بمواقف داعمة لفلسطين في المواجهة مع صفقة القرن، وقبل ايام قليلة من انعقاد مؤتمر الاتحاد الإفريقي في الكونغو، حيث سيناقش صفقة ترامب ـ نتنياهو، هذا التوقيت يشير الى أن المواقف
المعلنة اذا لم تتوازَ مع آليات عملية للمواجهة ولدعم الشعب الفلسطيني، تظل مجرد شعارات تهدف الى التغطية على المواقف الحقيقية، علماً أن السودان كان قد اتخذ موقفاً مؤيداً للرؤية الفلسطينية لمواجهة الصفقة، سواء لدى اجتماعات مجلس الجامعة العربية، او من خلال الموافقة على بيان منظمة التعاون الإسلامي!
قد يهمك أيضا :
إسرائيل: حملات انتخابية تتجاهل التحقيقات مع نتنياهو وتركز على الفلسطينيين!
صفقة القرن: إعلان خطير.. لكنه ليس تاريخياً!