بقلم : هاني حبيب
جاءت زيارة وزير الخارجية الألماني «هيكو ماس» إلى إسرائيل لتحقيق هدفٍ معلن، وهو إقناع قادتها بعدم المضي قدماً بتنفيذ مخططات ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة، إلاّ أنّ قدرته من الناحية الواقعية على تحقيق هذا الهدف باتت مشكوكاً فيها منذ اللحظة الأولى التي استجاب فيها إلى الضغوط الإسرائيلية بألا تتضمن جولته الذهاب إلى رام الله للاجتماع مع القيادة الفلسطينية، وعندما «اقتنع» صاغراً بالمبرر المخادع حول تفشي «كورونا» في الضفة الغربية، وخشية من إصابته بالوباء، مع أنّ «ماس» يعلم أكثر من غيره أنّ وضع الضفة الغربية إزاء تفشي «كورونا» أقل خطراً بكثير ممّا هو في إسرائيل وحتى في بلاده ألمانيا ذاتها.
تقارير وسائل الإعلام الإسرائيلية نقلت عن ماس التعبير عن قلقه البالغ بشأن خطط الضم، إلا أنّ بلاده امتنعت عن التهديد بفرض عقوبات على إسرائيل. ولنقرأ ما يلي في موقف ألمانيا من مخطط الضم نقلاً عن ماس عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية، وبعد اجتماعه برئيس الحكومة ووزير الخارجية: «ألمانيا لا تتلهف إلى دعم عقوبات أوروبية متوقعة ضد إسرائيل، لكنها لن تتمكن من منع ذلك في الوقت الذي تسعى فيه دول أوروبية عديدة لإيقاع مثل هذه العقوبات على إسرائيل في حال تنفيذ خطط الضم». إنّ إعادة قراءة هذه العبارة بدقة في الوقت الذي تترأس فيه ألمانيا كلاً من الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن في الأول من تموز القادم، تشير وبلا تردد إلى أنّ ألمانيا من خلال زيارة وزير خارجيتها لكل من إسرائيل والأردن، والاجتماع مع المسؤولين الفلسطينيين عبر الوسائط الإلكترونية، إنما هي محاولة ألمانية للتواري خلف هذه الاجتماعات لتلافي الإحراج المحتمل؛ باعتبارها ستكون مسؤولة بشكل أو بآخر عن أيّ خطوات جدية من قبل الاتحاد الأوروبي الذي تترأسه ومجلس الأمن الذي تقوده باتجاه خطة الضم، التي من المفترض أن تطرح للنقاش في أروقة الحكومة الإسرائيلية في نفس اليوم الذي تتقلد فيه ألمانيا رئاسة كل من مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي، ما يشكل اختباراً لانحيازات ألمانيا إلى القانون الدولي أو ضده.. التزاماتها بقرارات المجتمع الدولي أم التزاماتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وفيما ستترأس ألمانيا الاتحاد الأوروبي في وقت تفتح فيه حكومة الاحتلال ملف الضم، واحتمالات متزايدة لإيقاع عقوبات وربما اعترافات بدولة فلسطين من قبل العديد من دول الاتحاد الأوروبي، من دون تأييد ألمانيا لهذه الخطوات وفقاً لمواقفها المعلنة من أنها ضد العقوبات والاعترافات، فإنّ ذلك كله يضع ألمانيا في موقف أكثر إحراجاً وأقل التزاماً بدورها المفترض لنصرة القانون الدولي، خاصة أنها أعلنت بشكل متكرر قبل وأثناء زيارة «ماس» أنّ الضم يشكل انتهاكاً للقانون الدولي، وأنها مع حل الدولتين الذي ينتهك بدوره من خلال خطة الضم، الأمر الذي يكشف زيف مواقفها ونفاق سياستها المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وبحيث تتلخص مهمة وأهداف هذه الجولة بالتخفيف من واقع الحرج الناتج عن أولوية التزامها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي أكثر من أي عنوان آخر.
جاء ماس إلى إسرائيل ليضغط عليها بشأن مخطط الضم، إلاّ أنه فوجئ على الأرجح بضغوط إسرائيلية عليه بهدف «تراجع عن التراجع» عن القرار الألماني الأخير باشتراط المساعدة المالية الأوروبية لمنظمات مدنية بعدم المشاركة المطلقة في «أعمال الإرهاب، وثانياً ضغوط إسرائيلية على ألمانيا، التي تعتبر ممولاً رئيسياً للأونروا، بالتوقف عن هذا الدعم، وضرورة أن يتوجه الجهد الألماني إلى حل وكالة الغوث بدلاً من ذلك انسجاماً مع مواقف ألمانية سبق أن عرفت BDS حركة لا سامية، ومنعت نشاط «حزب الله»، كما منعت حرق أعلام إسرائيل في التظاهرات. وعلى ألمانيا وفقاً للضغوط الإسرائيلية الانسجام مع هذه الخطوات لكي تحظى برضا إسرائيل عليها.
قد يهمك أيضا :
"الضمّ" يربك إسرائيل: كارثة خطيرة أم فرصة تاريخية؟!
مستوطنون ضد الضم!