بقلم : هاني حبيب
ربما كان أهم حراك أوروبي تجاه تحديد موقف من احتمالات قيام الاحتلال بتنفيذ خطة الضم تجسد في الرسالة التي وجهتها 11 دولة أوروبية إلى مفوض الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل مؤخراً تطالبه فيها ببحث الخطوات الجدية التي يجب على الاتحاد فرضها على دولة الاحتلال في حال إقدامها على تنفيذ خطة الضم، ما تناولته الرسالة كان الأكثر تحديداً مقارنة بكافة التصريحات السابقة الصادرة عن دول الاتحاد، ليس فقط في سياق الإعراب عن القلق باعتبار الضم خرقاً للقانون الدولي ومخاطره على استقرار المنطقة، بل من حيث المطالبة بخطوات ملموسة وفعالة في إطار رؤية جديدة حول علاقة الاتحاد الأوروبي بإسرائيل، فقد تسرب بعض الإشارات حول الاجراءات العقابية الملموسة تتمثل بمنع إسرائيل من الانضمام للاتفاقيات الدولية وإيقاف أي تعاون جديد معها مع تحديد الإجراءات الأوروبية ضد المستوطنات على أن تُشكّل هذه الإجراءات بمجموعها عاملاً حاسماً في ردع إسرائيل عن تنفيذ خطة الضم.
يُخشى أن هذه الرسالة قد لا تجد صدى لها من الناحية العملية ويتم تسويف الرد عليها، خاصة أن هناك غياباً لبعض الدول المهمة من التوقيع على الرسالة مثل ألمانيا التي تحتفظ بعلاقات وطيدة وداعمة لدولة الاحتلال وكذلك - وهو ما كان مستغرباً - غياب دول صديقة لفلسطين عن هذا التوقيع كإسبانيا، خاصة أن هذه الرسالة تأتي بعد شهرين على اجتماع وزراء خارجية الاتحاد في أيار الماضي عندما طلب بوريل من مستشاريه إعداد «وثيقة الاحتمالات» لرد الاتحاد الأوروبي على خطة الضم إلاّ أن هذه الوثيقة لم ترَ النور حتى الآن.
في مقالة رأي بصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية تساءل المؤرخ الفرنسي ران هاليفي عن أسباب تراجع نتنياهو عن خطة الضم، مشيراً إلى أسباب عديدة ليس من بينها موقف الاتحاد الأوروبي من الخطة، معيداً هذه الأسباب إلى اهتمام إسرائيل بالدرجة الأولى بالمواجهة مع إيران وكذلك رفض الجانب الفلسطيني للخطة واعتبارات قانونية من حيث إنّ الضم يشكل انتهاكاً للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن، مشيراً إلى موقف الأردن وعدم حماس إدارة ترامب لتنفيذ الخطة، ومع أننا لا نوافق المؤرخ الفرنسي على رؤيته هذه من حيث حديثه عن «تراجع» الخطة باعتبار أنّه ليس هناك تراجع بقدر ما أنّ هناك خلافاً حول آليات الضم وتوقيته، إلاّ أنّ غياب الدور الأوروبي عن التأثير عمّا سماه المؤرخ تراجع خطة الضم قد يشير من وجهة نظره إلى عدم فعالية وجدية موقف الاتحاد الأوروبي.
إنّ مطالبة الاتحاد الأوروبي باتخاذ خطوات جدية وفعالة ضد الاحتلال والاستيطان وخطة الضم تعود بدرجة أساسية إلى مسؤولية دول الاتحاد عن وجود دولة الاحتلال ودعمها وتراخيها عن الضغط عليها لتنفيذ القرارات الدولية، لذلك فإن هذه الدول لا تزال قادرة ولو جزئياً على تحمّل مسؤولياتها إزاء الغطرسة الإسرائيلية، كما يقول مانو بينيلا عضو البرلمان الأوروبي ورئيس وفد العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وفلسطين الذي اعتبر في حديث أجرته معه «بوابة الهدف» الإخبارية مؤخراً أن الحد الأدنى المطلوب أوروبياً لمواجهة خطة الضم الإسرائيلية يتمثل في إلغاء اتفاقية الشراكة ومنع مشاركة الكيانات والجماعات الإسرائيلية في البرامج الأوروبية وحظر تزويد وبيع الأسلحة لإسرائيل وفرض عقوبات على الاحتلال والاعتراف بدولة فلسطين.
إنّ هذه التدابير من وجهة نظرنا يجب أن تكون ماثلة ومؤكدة ومعلنة ومتفقاً عليها الآن وليس فقط عند تنفيذ خطة الضم، كما أن هذه الإجراءات كان يجب أن تتخذ ضد الاحتلال والاستيطان حتى من دون الحديث عن خطة الضم إذا كان الاتحاد الأوروبي جاداً في ترجمة مواقفه التي لا تزال في حالة اختبار.
قد يهمك أيضا :
إسرائيل: النظام السياسي .. يترنح ولا يسقط !
«النواب الأميركي» .. وقرار دعم مالي للفلسطينيين !