بقلم : هاني حبيب
تباهى جيش الاحتلال، وهو يلخص عملياته ومواجهاته خلال العام الماضي ٢٠١٨، بأن هناك تراجعاً في عمليات المواجهة في الضفة الغربية في العام المذكور، من ١٦٧ عملية عام ٢٠١٦ الى ٩٧ عملية عام ٢٠١٧، وصولا الى ٨٧ عملية عام ٢٠١٨، وفي تقريره حول المجريات العسكرية على كافة الجبهات الذي نشره في اليوم الأخير من العام الماضي تم التركيز على مسيرة العودة والبالونات الحارقة في قطاع غزة، والعمليات التي نفذت في الضفة الغربية، وعدد الهجمات على الأراضي السورية، وعملية درع الشمال على الحدود مع لبنان. التقرير المزود بالأرقام يحاول ان يحيل جهود قوات الاحتلال الى إنجازات ونجاحات في التقليل من المخاطر الأمنية على دولة الاحتلال، لكن جيش الاحتلال، ومن خلال تقريره المشار إليه، تعمد تجنب العديد من الحقائق التي من شأنها إدانته وتأكيد كذبه ومراوغته عندما يتحدث عن اخلاقيات هذا الجيش وإنسانيته.
توسع التقرير في الحديث عن نجاحاته في اكتشاف الأنفاق، في غزة كما في جنوب لبنان، الا انه تعمد تجاهل قيام هذا الجيش وبشكل متعمد بقتل ٣٥ طفلا فلسطينيا على الحدود مع قطاع غزة، بالقرب من تلك الأنفاق التي يتحدث عنها تقريره، وذلك في نهاية شهر آذار الماضي مع اندلاع مسيرة العودة، وسقوط الطفل الشهيد محمد جحجوح (١٦ سنة) في نهاية كانون الأول الماضي، من بين ثلاثة شهداء سقطوا في نفس الموقع، وأربعة أطفال شهداء في تشرين الثاني الماضي: ناصر مصبح (١١ سنة) ومحمد سرساوي (١٣ سنة) واحمد ابو حبل (١٥ سنة) وصهيب ابو كاشف (١٦ سنة) .. أرقام وأعوام، خشي جيش الاحتلال أن يضمها الى تقريره.
ليس غريباً على الجيش الإسرائيلي تناول القضايا التفصيلية والهامشية أحياناً، على حساب المسائل الأكثر جوهرية التي تعتمدها الجيوش عادة، فمراجعة التقرير الذي قدمه قبل أسابيع قليلة الجنرال احتياط يتسحاق بربك مسؤول لجنة الشكاوى في الجيش سابقاً الى رئيس هيئة الأركان الجنرال ايزنكوت حول أوضاع الجيش الإسرائيلي، يشير الى عدم جاهزية الجيش لخوض اية حرب، فالجنود لا ينظفون أسلحتهم، والضباط لا يتناقشون إلا بأمور تتعلق بتقاعدهم وامتيازاتهم، ويتحدثون مطولاً بالهاتف المحمول، وطبيعي ان التقرير لم يقترب من خصائص اخلاقية هذا الجيش، فقتل الاطفال، واعدام ميداني للنشطاء او المتهمين الفلسطينيين، والاستخدام المفرط للقوة العسكرية الفائضة عن الحاجة، ليست من نقائص هذا الجيش، اكثر من ذلك، ففي سياق ما ذكرته كراسة نشرها نشطاء "نحطم الصمت" وتناولتها الصحافية عميرا هس في احدى مقالاتها مؤخراً، اشارة الى مصطلح «الجالس على ركبتيه» كناية عن جندي يجلس على ركبتيه بهدف إصابة النشطاء بالأرجل بدلاً من الجسم العلوي، تقول الكراسة، ان كل جندي يقوم بهذا الوضع، يحصل على إجازة طويلة نهاية الأسبوع، ويستخدم هذا الأسلوب في المناطق التي لا تجري فيها عمليات حربية واسعة، كالخليل مثلاً!! فإن مهمة جيش الاحتلال في هذه الحالة، أخلاقية جداً، ليس هناك حرب، لكن هناك جنوداً يتسلون بإصابة الأرجل!!
تجاهل التقرير الهجمات اليومية، وفجراً في معظم الحالات، على بيوت المواطنين الآمنين في الضفة الغربية المحتلة، كما تجاهل عدد المنازل التي تم تدميرها وتشريد سكانها، وبالطبع تجاهل عدد المعتقلين المتزايد كل يوم في صفوف الشباب الفلسطيني. التقرير المولع بالأرقام المتزاحمة، تجنب ذكر عدد جثامين الشهداء المحتجزة لديه، والبالغ عددهم ٣٨ شهيداً، منهم ٢٤ جثماناً لشهداء عام ٢٠١٨.
تقرير مراقب الجيش اسحق بربك، كما تقرير الجيش حول عملياته خلال العام الماضي، تجاهلا عن عمد كل ما من شأنه التذكير بفظائع جيش الاحتلال او المس بادعاء الساسة الإسرائيليين حول «أخلاقيات الجيش الإسرائيلي» هذا الجيش المحصن من قبل القانون والقضاء في إسرائيل، ناهيك عن حصانته من قبل الجمهور الإسرائيلي الأكثر عنصرية وعدوانية ودموية.
ولعل قادة الجيش الإسرائيلي، لم يدركوا ان فظائع هذا الجيش يتم تداولها عبر وسائل الإعلام المصورة، رغم قرار هذا الجيش بمنعه، وإصداره لقانون يمنع تصوير الجنود خلال تنفيذهم لمهماتهم لأن ذلك «يؤثر سلباً على معنويات الجنود ومواطني إسرائيل» الا ان تبرير هذا القانون العملي، هو الحيلولة دون التعرف على الفظائع التي يرتكبها هذا الجيش، مع ذلك فالصور تتسرب كشهادة على ان اي حديث عن أخلاقيات الجيش الإسرائيلي مجرد كذب وخداع وهراء!!