بقلم: سمير عطا الله
ذهب الزميل سمير صنبر من الصحافة إلى الأمم المتحدة، حيث تقاعد بمرتبة أمين عام مساعد، أي أحد وزراء الحكومة الدولية وأمينها العام. ومن يدخل الصحافة مرة، كمن يشرب من ينبوع العشاق في روما، لا يستطيع الخروج من متعتها. وقد وضع عن تجربته السياسية والمهنية مع الأمناء العامين، مؤلفات كثيرة كان طابعها سياسياً بالدرجة الأولى. وها هو يعود الآن إلى تلك التجربة من الوجه الآخر، الوجه المبسّط والمكشوف في تعاطي السياسات الكبرى مع مكامن الضعف الإنساني. كتابه الجديد «عالم من ورق» (الدار العربية للعلوم، ناشرون) مجموعة من لطائف الحياة التي مرّت به حول العالم. ولعلّ أفضل عرض صحافي بين مؤلّفاته هو اختيار نموذج من الفصول القصيرة التي تُقرأ كما كُتبت، بسرعة اللمحات الذكية. النموذج الآتي عنوانه: «الضربة القاضية»: «في أواخر عام 2001 نشرت الصحف العالمية بعض الصور التاريخية في العالم الرياضي، وفي مقدّمتها بطل الملاكمة محمد علي (كاسيوس) كلاي، ينظر شزراً إلى البطل المهزوم سوني ليستون بعد أن طرحه على أرض الحلبة. لقد حضرت تلك المباراة ولكنني لم أشاهد ما حدث.
فقد دعانا رئيسنا الجديد في الأمم المتحدة، السنغالي الفرنسي غبريال ماري داربوسييه، بعد أن حصل على تذاكر خاصة لحضور المباراة التاريخية في نيويورك التي كنت وصلت إليها منذ أشهر فقط، فقد كان أسلوبه وقد تعين أميناً عاماً مساعداً عن منطقة أفريقيا أن يدير العمل بنفسية الفريق الواحد المتجانس. ولذلك اقترحَ أن نتوجّه كلنا معاً من المكتب مباشرة إلى صالة العرض في راديو سيتي.
انطلق هتاف المشجّعين من الطرفين مع بدء الصراع والتلويح بالقفازات. كان ليستون يقف في وسط الحلبة ينتظر الفرصة السانحة، بينما كلاي يقفز و(يطير كالفراشة لكي يعقص النحلة)، كما كان يفاخر. اشتدّ الحماس وتوتّرت الأجواء ورحت أبحث عن سيجارة، عندما وجدتها في جيبي، رأيت الجميع يقف بذهول مفاجئ. فقد انتصر محمد علي بالضربة القاضية، بينما كنت قد أحنيت رأسي لإخراج الولّاعة. ومن يومها توقّفت عن التدخين».
وتحت عنوان «المهنة لا الوجاهة»، يكتب عن أهم النصائح للصحافيين:
«النصيحة المهنية التي تلقيتها عندما ذهبت للعمل في جنيف لبضعة أشهر، أتت من المسؤول عن الإذاعة العربية هناك، الذي أصبح فيما بعد من وجهاء الجالية العربية في المقرّ الدولي والأوروبي. قال لي - وكأنني ابنه - ألا أقع في إغراء الوجاهة كما حدث معه. كان السفراء والدبلوماسيون العرب القادمون إلى جنيف، يخطبون ودّه للتعرّف أكثر على المدينة، ولإعطاء أحاديث إذاعية تؤكّد للمسؤولين في البلد الأم سعيهم الحثيث لنشر الموقف المطلوب. أغرقوه بالدعوات وحفلات التكريم، فاستطاب واستراح ولم يعد هناك ما يحفّزه للانطلاق في عمله المهني إلى منصب أبعد أو أرفع. أضف أنه بعد فترة سنوات اكتشف أن أكثر من فرصة عملية قد فاتته وهو مستريح في القاعة رقم 9».