بقلم-عماد الدين حسين
خلافا لما يتصوره الكثيرون، فإن الجيش الإسرائيلى، ليس الأسطورة التى تحاول تل أبيب، أن تزرعها وترسخها فى أذهان الكثيرين.
الخلاصة السابقة ليست مجرد أمنية مواطن مصرى عربى، لكنها، جاءت على لسان الجنرال يتسحاق بريك، الذى خدم فى الجيش الإسرائيلى لمدة ٥٣ سنة كاملة، وترأس فى السنوات العشر الأخيرة منصب رئيس ديوان المظالم. وبالتالى فهو يتكلم عن وقائع إهمال وقصور، كنا نظن أنها مقصورة على المؤسسات العربية فقط.
يوم الإثنين الماضى نشرت صحيفة هاآرتس مقابلة مطولة مع بريك، كشف فيها عما قال إنه رآه خلال خدمته التى انتهت قبل أيام.
هو يقول إن الجيش الإسرائيلى يعانى من انهيار الثقافة الإدارية، وانخفاض مستوى وعى العسكريين، الأمر الذى تسبب فى إخفاقات منذ حرب لبنان الثانية عام ٢٠٠٦ وحتى حرب غزة عام ٢٠١٤.
يكشف بريك عن أن الجيش يعتبر أكبر شركة فى إسرائيل، يعمل به الآلاف، بميزانية سنوية ٨٫٥ مليار دولار، لكن إدارة هذه الموارد غائبة، وهناك عيوب خطيرة فى الهيكل، منها مثلا أن 85٪ فقط من الأوامر التى تصدر من هيئة الأركان لا تطبق على الأرض، بسبب التعقيدات الإدارية وغياب آلية التنفيذ، وأن هذه «الفوضى المطلقة» ظهرت بوضوح حينما تم استهداف حاملة للجيش بصاروخ من غزة فى نوفمبر الماضى.
بريك يكشف أن ما يقدمه قادة الجيش من استعراضات فى الكنيست بشأن الأسلحة وقطع الغيار والمعدات، لا علاقه له بالواقع، وأنه بدلا من تدريب وتطوير الجنود وقادتهم يتم إهدارالوقت فى اجتماعات بلا طائل.
يعتقد بريك أن الأخطر هو أن قيادات الصف الثانى تعانى من تردى مستوى الوعى، ولا يريدون مواصلة الخدمة، وبعد عامين قد يتفاقم الأمر لنصل إلى نقطة اللاعودة.
هو يسأل: «ماذا سيحدث إذا تمت قريبا إعادة تشكيل الجيش السورى، المنتصر فى الحرب الأهلية الأخيرة، وحينما نشاهد الدبابات السورية تواجهنا فى الجولان؟!
فى رأى بريك فإن الجيش الإسرائيلى بوضعه الحالى يشبه قصة سفينة «تيتانك» الضخمة التى غرقت فى المحيط الأطلسى عام ١٩١٢، إذ قال: «هذا البلد يعيش على متن تيتانك، الجميع سعداء فى المطاعم والمقاهى، ولا يريد أحد أن يسمع أخبارا سيئة حول وضع الجيش!».
انتهى كلام بريك، هو ليس معارضا، بل عاش معظم حياته داخل الجيش وحارب ضدنا فى أكتوبر ١٩٧٣. هو يريد ــ كما قال ــ أن يدق ناقوس الخطر حتى يتم إصلاح هذه الأخطاء.
ما الذى يفيدنا ويهمنا كعرب من هذا الكلام؟!.
أولا: علينا أن نتأكد أنه صحيح، وليس مجرد تمويه، لكى نغرق فى العسل أكثر مما نحن غرقى!، علما أن الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية تكرر أنها تضمن تفوقا نوعيا للجيش الإسرائيلى على كل الجيوش العربية مجتمعة. وعلما أيضا أن إسرائيل هى الأكثر استفادة من انشغال غالبية البلدان العربية فى حروب وصراعات أهلية، أو مواجهة إرهاب نوعى.
ثانيا: وسواء أكان ما يقوله بريك صحيحا، أم لا، فعلينا أن نسأل: «ولماذا لا نرى المؤسسات العربية تفعل مثلما يفعل الإسرائيليون، أى يواجهون مشكلاتهم بصراحة حتى يمكنهم مواجهتها وحلها أولا بأول.
لو أن مسئولا عربيا تجرأ وتحدث بخمسة فى المائة فقط، مما قاله المسئول الإسرائيلى لكان قد اختفى وتلاشى فورا!!.
إسرائيل ليست جنة أو واحة الديمقراطية كما يقولون. فالعديد من قادتها حاولوا منع نشر هذا التقرير، خصوصا رئيس الأركان غادى أيزنكوت، لكن فى النهاية تم تشكيل لجنتى تحقيق عسكريتين، أقرتا بوجود قائمة طويلة من العيوب داخل الجيش الإسرائيلى ونشره على الملأ.
فى كل المعارك الكبرى التى خاضها جيش الاحتلال الإسرائيلى ضد العرب، خصوصا الحروب التى انهزم فيها مثل حرب أكتوبر ١٩٧٣، أو العدوان على لبنان عام ٢٠٠٦، تم تشكيل لجان تحقيق مستقلة، سألت وبحثت ونقبت وفتشت وخرجت بتوصيات كان لها أثر كبير، فى إصلاح هذه العيوب.
أتمنى أن يقرأ كل المسئولين العرب ما قاله الجنرال الإسرائيلى بتأمل، ليدركوا، لماذا تقدم الصهيانة ولماذا تأخرنا نحن العرب. نريد فقط من المؤسسات والهيئات والشركات والأجهزة العربية، أن تحرص على الشفافية والمتابعة والمساءلة، والتأكد أنها تسير بطريقة صحيحة، حتى لا نستيقظ ذات يوم على الكارثة الكبرى التى لا ينفع معها الندم أو لجان التحقيق والمحاسبة!.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع