بقلم - عماد الدين حسين
فى هذا المكان كتبت أكثر من مرة فى الأيام الأخيرة عن «حقوق الإنسان» بين الحكومة والنشطاء والدول الأجنبية، وقلت بوضوح ــ من بين اشياء كثيرة ــ إن الأفضل للحكومة أن تحترم حقوق الإنسان فى الداخل، ليس إرضاء للخارج، ولكن لأن الشعب يستحق ذلك أصلا. وفى مقابل ذلك قلت انه ينبغى مواجهة الارهاب والمتطرفين والمحرضين والممولين له بأقصى درجات الشدة فى اطار القانون.
اليوم أتحدث عن زاوية جديدة فى الموضوع، وهى الرهان المبالغ فيه من بعض النشطاء فى الداخل على الخارج، واعتقادهم أنه من دون ضغط خارجى، فإن الحكومة سوف تطحنهم وتسحقهم.
قبل الدخول فى التفاصيل، فإن إحدى المشكلات الحقيقية فى هذا الملف أنه صار، وكأنه خصومة شخصية بين الحكومة وحفنة من النشطاء، وليس باعتباره موضوعا يخص كل القوى السياسية والمجتمع المدنى وبالتالى المجتمع بأكمله.
ليس صحيحا أن مجموعة صغيرة من المنظمات الحقوقية ذات الصبغة السياسية هى التى يفترض أن تحتكر الحديث وحدها باسم حقوق الإنسان، خصوصا أن بعض هذه الجمعيات صار يمثل مشكلة وليس حلا.
هل يعنى ما سبق أننى أتهم هذه المنظمات، وأبرئ الحكومة الحالية أو ما سبقها من حكومات؟!. الاجابة هى لا مطلقة. الاثنان متهمان، وظنى أن الحكومات فى العقود الأخيرة صمتت أو طنشت أو سهلت فساد أو إفساد، بعض هذه الجمعيات حتى «تكسر عينها». وهكذا اكتشفنا مثلا الخلط الواضح بين الحسابات المالية للجمعية والحسابات الشخصية لصاحب الجمعية، وهو الأمر الذى استغلته الحكومة بصورة كبيرة لاحقا، وبدأت فى تسريب حجم الاموال التى دخلت هذه الحسابات الشخصية، حتى يسهل ضرب المنظومة بأكملها بمن فيها من اناس محترمين كانوا يعملون لوجه الله وحقوق الانسان فعلا.
سيقول البعض إنى اضرب فى المنظمات لمصلحة الحكومة.
والاجابة مرة اخرى هى لا. والسؤال التالى: هل يعنى أيضا ما سبق أن الحكومات بريئة من انتهاك واسع لحقوق الإنسان؟!
الإجابة هى أيضا لا، وهناك انتهاكات لا ينكرها إلا أعمى. لكن مرة أخرى، فإن الاعتماد المبالغ فيه من بعض الجمعيات ذات الصبغة السياسية على الخارج، يعطى الحكومة وأجهزتها دائما فرصة ذهبية للتشكيك فى أصالة هذه الجمعيات فى الدفاع عن حقوق الإنسان، بل واتهام أصحابها بأنهم أما عملاء لأجهزة خارجية، أو مجرد باحثين عن الدولارات واليوروهات!!
أعرف بعضا من العاملين فى مجال حقوق الإنسان، وأعرف أنهم مخلصون فعلا فى الدفاع عن هذه الحقوق. وأعرف أن بعضهم كان يعتقد أن اللجوء للخارج سببه التضييق الأمنى، وانعدام أى بارقة أمل فى الإصلاح من الداخل. لكن هؤلاء اكتشفوا أن غالبية مساعدات الخارج كانت مشروطة، وليست لوجه الله، حتى لو بدت بريئة. وبالطبع هناك لم تكن كل المساعدات مشبوهة، فبعضها كان مجردا، ثم ان الحكومة نفسها تلقت العديد من المساعدات من دول اجنبية.
إذا الدرس هنا أن الرهان على الخارج، سواء للحصول على التمويل بأنواعه المختلفة، أو كورقة ضغط على الحكومة المصرية، لن يجدى كثيرا، بالنظر إلى تجربة السنوات الماضية.
من لا يصدق عليه تأمل كل النماذج التى راهنت على الخارج، من السياسيين إلى الحقوقيين، غالبيتهم كانوا مجرد كروت، وحرقتهم الأجهزة الأجنبية التى قامت بتشغيلهم أو استغلالهم، فى اللحظة التى توصلت فيها إلى تفاهم مع الحكومات المصرية المتعاقبة. وفى هذا الصدد علينا أن نتذكر النماذج التى عجت بها الساحة المصرية طوال عهد حسنى مبارك.
غالبية هذه النماذج، تبين أن بعضها كان رأس حربة لأجهزة أمريكية وأوروبية، شنت ضغوطا هائلة على السلطات المصرية، لإطلاق سراحهم، بعد القبض عليهم فى قضية المنظمات الشهيرة.
أتمنى أن يدرس كل أصحاب الجمعيات الحقوقية والناشطين فيها، تجربة الاعتماد على الخارج للضغط على الحكومة لتنفيذ مطالبهم.
مرة أخرى أعرف أن الموضوع ليس «أبيض وأسود» ولكن هذا الاعتماد المبالغ فيه على الخارج، جعل الحكومة تسحق هؤلاء الناشطين، وفى الطريق داست على حقوق الإنسان.
قد يسأل البعض: وما هو الحل فى هذه الحالة.. أليست امكانيات المنظمات ضعيفة، وبطش الحكومة شديدا؟!. نعم قد يكون ذلك صحيحا، لكن لماذا لا تركز هذه المنظمات على الجهد المحلى وإقناع الناس العاديين قدر الإمكان، والبحث عن حلول عملية مبتكرة، بدلا من الرهان الدائم على الغرب وأجهزته وسفرياته ودولاراته؟!
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع