بقلم-عماد الدين حسين
من الواضح أن المؤمنين بنظرية المؤامرة الخارجية موجودون فى كل مكان، وليس فى منطقتنا العربية فقط. الأصوات التى تتبنى هذه النظرية بدأت ترتفع فى فرنسا وتراها سببا أساسيا للتظاهرات واسعة النطاق لأصحاب السترات الصفراء التى انطلقت فى ١٧ نوفمبر الماضى، وما تزال مستمرة حتى الآن، رغم أن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون تراجع عن رفع أسعار الوقود، بل وقرر رفع الحد الأدنى لأجور ذوى الدخل المحدود.
صحيفة التايمز البريطانية نشرت قبل أيام تقريرا يقول إن الأمانة العامة للدفاع والأمن الوطنى الفرنسية المكلفة بمراقبة الأحداث الجارية اكتشفت تزايد الحسابات الإلكترونية المزيفة التى تهدف لتضخيم حركة السترات السفراء على وسائل التواصل الاجتماعى.
الصحيفة تقول إن تحليلات شركة نولدج للأمن الإلكترونى أظهرت أن نحو ٢٠٠ حساب على موقع تويتر نشرت صورا يفترض أنها لقمع الشرطة الفرنسية للمتظاهرين، تبين أنها مفبركة وتخص أحداثا أخرى مختلفة تماما.
تقارير أخرى نسبت إلى وزير الاقتصاد الفرنسى برونو لومير قوله إن التظاهرات سببت كارثة للاقتصاد الوطنى، الأمر الذى يطرح أسئلة عما إذا كانت هناك أجندة خارجية تود النيل من الاستقرار ودفع البلاد للفوضى.
حتى الآن لا توجد اتهامات رسمية فرنسية بوجود تدخل خارجى فى الأحداث، لكن التقارير الصحفية وتحليلات المراقبين والمعلقين بدأت تزيد فى الأيام الأخيرة.
هؤلاء المعلقون يقولون إن التغطية الإعلامية الدولية واسعة النطاق للحراك الشعبى، وانتقال الظاهرة لدول أوروبية أخرى، سلطا المجهر على ظواهر قد تكون محلية فى الشكل، لكن أدوات خارجية تعمل على تأجيجها، ويعتقد هؤلاء المعلقون أن التظاهرات جرى تضخيمها، وأخذت بعدا خطيرا بات يهدد الاستقرار الداخلى.
الاتهامات تتوجه نحو روسيا بشدة، وتقرير التايمز يتهم موسكو بوضوح بأنها تدعم الحسابات المزيفة على تويتر.
بالطبع الناطق الرسمى باسم الكرملين ديمترى بيسكوف نفى هذه الاتهامات جملة وتفصيلا واعتبرها نوعا من الافتراءات.
وجهة نظر المعلقين الغربيين إن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين يسعى لإضعاف الاتحاد الأوروبى حتى يظل منشغلا بنفسه، كما أنه يسعى للانتقام من أوروبا الشرقية لموقفها من الأزمة الأوكرانية أولا، ولأنها صارت تمثل خطرا على الأمن الروسى بعد انضمامها للاتحاد ولحلف الأطلنطى وتحويل أراضيها إلى قواعد متقدمة لهذا الحلف على الحدود الروسية.
باريس الرسمية امتعضت من تعليقات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الشامتة فى الأحداث، خصوصا قوله إنها تثبت صحة موقفه من انسحابه من اتفاقية المناخ.
وزير الخارجية الفرنسى جان ايف لودريان كان صارما فى رده على ترامب وقال له: «عليك أن تكون حذرا وأنت تتحدث عنا.. ودعنا نعيش حياتنا من دون تدخل!».
فى تقديرات العديد من المحللين الفرنسيين فإن كلا من بوتين وترامب يتفقان على شىء واحد وهو كراهية الاتحاد الأوروبى والسعى إلى إضعافه وتفكيكه.
الرئيسان أيدا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، للنفخ فى المشاعر القومية، والإثنان لديهما علاقات طيبة جدا مع الأحزاب اليمينية المتطرفة، التى تعلن صراحة عداءها مع الاتحاد الأوروبى.
فى التقديرات الفرنسية غير الرسمية، فإن روسيا نجحت فى تضخيم عملية «البريكست» البريطانية من الاتحاد الاوروبى، وأنها تدخلت فى الانتخابات الأمريكية الرئاسية فى نوفمبر ٢٠١٦. هذه التقديرات تنقل عن أوساط قريبة من وزارة الداخلية الفرنسية قلقها من إمكانية حدوث تدخلات روسية على غرار ما حدث خلال الانتخابات التى جرت مؤخرا فى عدد من الدول الأوروبية للتأثير على الرأى العام المحلى فيها.
ما سبق هو عينة لأصحاب نظرية المؤامرة، الذين لا يجدون تفسيرا لما يحدث فى فرنسا، سوى التدخل الخارجى.
السؤال: هل هؤلاء لا ينظرون بالمطلق إلى العوامل الموضوعية التى دفعت مئات الآلاف من الفرنسيين للتظاهر والنزول للشارع، وبدا أن غالبيتهم مصابون باليأس المطلق نتيجة الاوضاع الاقتصادية المزرية.
والسؤال أيضا: لنفترض أن هناك دورا خارجيا فما هو حجمه، وهل فرنسا بكل هذا الضعف والاهتراء الداخلى، بحيث يمكن اختراقها والتأثير فيها بمثل هذه السهولة؟!
أسئلة تحتاج إلى نقاش تفصيلى.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع