بقلم - عماد الدين حسين
«لسنا فى حاجة لأفكار جديدة، فكل الأفكار موجودة عندنا فى مصر، فقط ابحثوا فى الجامعات وافتحوا أدراج الباحثين، لسنا أيضا فى حاجة إلى اللهاث وراء الغرب، الذى لا يوجد عنده أخلاق أو أى شىء مفيد لنا.. نحتاج فقط إلى العمل الجاد».
الكلمات السابقة لست أنا قائلها أو صاحبها، ولكنى سمعتها أخيرا من دكتورة جامعية، كانت تحضر ندوة عن «تطوير العقل المصرى» فى مكان بحثى وعلمى محترم، شاركت فيها مع الصديقين علاء ثابت ومحمود مسلم، والدكتور محمد عثمان الخشت رئيس الجامعة.
الكثير من الأساتذة والمعيدين والطلاب علقوا وسألوا، وقدموا أفكارا وتصورات معقولة ومتميزة، وغالبيتهم اتفقوا فى تشخيص المشكلة التى يعانى منها العقل المصرى والعربى.
كنت أول المعقبين على رأى الدكتورة، وقلت لها بوضوح إننى أصبت بصدمة من رأيها.
ما الذى جعلنى أكتب عن هذا الموضوع؟!
أولا، لن أذكر اسم الباحثة أو المكان لأن الهدف من نشر هذه الكلمات هو الموضوع وليس الشخص. لكن للأسف الشديد، فإن هذا الرأى ــ الذى أراه خاطئا بالكلية ــ ليس فقط رأى هذه الدكتورة، لكنه ينتشر بصورة كبيرة لدى قطاعات واسعة من الناس، فإذا كانت دكتورة جامعية تؤمن به، فما بالكم بالناس العاديين؟!
لدى هذا القطاع الكبير يقين جازم بأننا فى أحسن حال، وأن الغرب مجرد مكان للخلاعة والفجور والمجون والكفر فقط، وأنه قام باستعمارنا، ولا يفعل شيئا إلا التآمر علينا ليعيد استعمارنا من جديد.
هذه الأفكار يغذيها أحيانا بعض خطباء المساجد بحسن نية شديدة، ويعتقدون فقط أننا نحتاج إلى العودة للسلف الصالح فقط لنصبح «خير أمة أخرجت للناس».
قلت لهذه الدكتورة إن حالنا كمصريين وغرب ومسلمين يصعب على الكافر. وأنه ليس لدينا بحث علمى حقيقى إلا ما ندر. وأن غالبية الأبحاث مضروبة أو مسروقة أو مكررة وسطحية، ونعرف جميعا ماذا يحدث فى غالبية الترقيات الجامعية.
قلت لها إن عدد الأبحاث المصرية الجادة المنشورة والمحكمة فى المجلات العلمية الدولية الرصينة قليلة جدا. وأن غالبية الدراسات الموجودة فى الأدراج قديمة وإنشائية وقليل منها جيد، ولو كانت هذه الأبحاث اصيلة وحقيقية، ما كنا قد وصلنا إلى هذه الحالة.
هل معنى كلامى أنه لا يوجد لدينا باحثون جادون ومتميزون؟!
العكس هو الصحيح. لدينا أفضل الباحثين، لكن لا يوجد لدينا بيئة علمية سليمة تساعد فى البحث العلمى، ولا يوجد تشبيك وتنسيق بين الصناعة والبحث العلمى، ولا توجد لدينا موارد كافية لهذا البحث، ولذلك يهاجر علماؤنا وباحثونا و«يطفشون» إلى الخارج وهناك يبدعون ويتألقون، حينما تتوافر لهم البيئة والموارد ويحصل بعضهم على نوبل مثل أحمد زويل، أو جوائز مرموقة مثل مصطفى السيد.
قلت لها أيضا إن الأفكار شديدة الأهمية، وكل الأديان والرسالات والعقائد الكبرى بنيت على أفكار، وحتى حملات الإعلانات تعتمد على شعار أو فكرة قد تغير حالة مجتمع بأكمله.
قلت لها أيضا إن الغرب ليس بهذه الصورة النمطية الموجودة فى أذهاننا المريضة. هناك طبعا بعض الحكومات والقوى المعادية لنا، والتى كانت سببا فى مشاكلنا وهمومنا وتخلفنا واحتلالنا، لكن هناك فى الغرب أيضا الجامعات والحريات والبحث العلمى والتقدم التكنولوجى. وهذا التقدم لم يعد حكرا على الغرب، بل انتقل إلى الشرق الآسيوى فى الصين وكوريا واليابان وماليزيا وسنغافورة.
قلت لها: انظرى إلى كل ما نلبسه ونأكله ونستعمله فى حياتنا اليومية، سوف تكتشفين أنه من إنتاج هذا الغرب أو الشرق الذى تسميه «كافرا أو منحلا»!
نحن توقفنا عن تقديم أى شىء مفيد للبشرية، بل صرنا عالة على هذا الكون، ولا نقدم له إلا العنف والإرهاب عبر داعش والنصرة وأمثالهما.
الدكتورة حاولت مقاطعتى، مصرة على وجهة نظرها، وقلت لها إننى أحترم حقك فى الإيمان بأى شىء، لكن فى المقابل عليك أن تحترمى وجهة نظرى.
مرة أخرى، لم أذكر اسم هذه الدكتورة الفاضلة أو حتى تخصصها أو كليتها، لأن الموضوع ليس شخصيا، بل هو محاولة لمناقشة همومنا ومشاكلنا بموضوعية، فربما نصل إلى حل.
نحن نملك العديد من الإمكانيات، وحينما تتوافر البيئة الملائمة نحقق نجاحات عظيمة، لكن ليس لدرجة أن نتصور إننا صرنا نقود العالم.
علينا أن نفيق من الأوهام حتى نبدأ فى تلقى العلاج الصحيح! نقلًا عن الشروق القاهريةالمقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع