بقلم - عماد الدين حسين
قبل فترة كنت عائدا من جريدة الشروق سيرا على الأقدام باتجاه ميدان الدقى.
بعد الميدان بقليل فوجئت بشخص فى الخمسين من عمره تقريبا، يهرول خلفى ويوقفنى.
كان سؤاله الأول هو: هل فعلا الأسعار ستزيد مرة أخرى فى الفترة المقبلة؟!.
أجبته صادقا بأننى لا أعرف. قال لى ولكن، أحاديث بعض المسئولين فى الفترة الأخيرة، تعطي انطباعا خلاصته أن الأسعار ستزيد خصوصا الوقود والكهرباء.
قلت له مرة أخرى، ربما يحدث ذلك، وقد لا يحدث. لكن لا أملك فعلا أى معلومة محددة بشأن ذلك.
الرجل انفجر فى موجة شكوى عارمة، وأن مرتبه لا يكفى أولاده الأربعة، وأنه يشعر بأنه مخنوق، وسرد لى بصورة مؤلمة، تفاصيل تكاليف المعيشة وصعوبتها، وأنه هو وأمثاله الذين يتحملون أى زيادة فى الأسعار، وليس الأغنياء.
تفهمت كلام الرجل تماما، وحاولت أن أشرح له بلغة بسيطة الظروف الصعبة التى يمر بها اقتصاد البلد، وأسعار الفائدة العالمية، وتذبذب أسعار البترول بين 60 إلى 85 دولارا، لكنه لم يكن مستعدا لسماع أى شىء، إلا الحصول على تأكيد منى بأن الأسعار لن ترتفع.
قلت للرجل مرة أخرى إننى أعذره وأقدر ما يقوله، لكننى فى النهاية مجرد مواطن مثله يعمل صحفيا، ولا أعلم نوايا الحكومة فعلا فى الفترة المقبلة.
تركنى الرجل وانصرف لحال سبيله، لكن ملامح وجهة الغاضبة والمتحفزة وعنف كلماته، لم تفارقنى.
فى التاسعة مساء نفس اليوم كنت مدعوا على عشاء فى منزل دبلوماسى عربى كبير، وهناك قابلت العديد من نجوم الفن الكبار، وفوجئت بأن إحداهن تشكو أيضا من الغلاء.
وكان سؤالى للفنانة الكبيرة والمعروفة جدا: حتى أنتم؟! فجاءت الإجابة نعم، لكن بالطبع الفارق فى الدرجة ونوع الشكوى.
من كان يشترى الدواء بخمسة آلاف جنيه شهريا صار يشتريه بعشرة آلاف. ومن كان يعطى رواتب للحارس والسائق والعاملين فى المنزل، فقد زاد كل ذلك بمقدار النصف، ومن كان يتبرع بألف جنيه للأعمال الخيرية، صار مطلوبا منه أن يتبرع بألفين بسبب غلاء الأسعار.
المؤكد أن كبار الفنانين وأمثالهم فى المجتمع قادرون على التعامل مع الأمر، لكن ذكرت هذه الحالة للتدليل على أن مشكلة الغلاء صارت تطارد الجميع مع فارق فى الدرجة.
حينما سأل الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى الندوة التثقيفية الأخيرة للقوات المسلحة، كلا من وزير الكهرباء والبترول عن تكلفة وحجم الدعم الذى تقدمه الدولة للكهرباء والوقود، شعر كثيرون أن ذلك قد يكون مقدمة أو تمهيدا لرفع الأسعار فى الفترة المقبلة.
شخصيا سألت وزير البترول المهندس طارق الملا، مازحا وجادا أكثر من مرة عن وجود أى مؤشرات لزيادة أسعار الوقود، فابتسم الرجل ولم يقدم إجابة.. وبعدها أيضا نفت الحكومة التفكير فى رفع الأسعار خلال العام المالى الحالى، أى قبل شهر يوليو المقبل.
الطبيعى والمتوقع أن زيادات أسعار الوقود والكهرباء كانت ستتم مع بداية السنة المالية الجديدة فى شهر يوليو من العام الحالى، طبقا للخطة التى وضعتها الحكومة بتصحيح هيكل وشكل دعم الطاقة خلال فترة زمنية تستغرق خمس سنوات، وأعلنت ذلك أكثر من مرة، بل وقدمته للبرلمان.
الخبر الجيد أن رفع الدعم عن أسعار الكهرباء لن يكون خلال خمس سنوات كما كان مقررا، بل سيكون خلال 8 سنوات تنتهى عام2022، طبقا لما أعلنه وزير الكهرباء الدكتور محمد شاكر قبل أيام.
والخبر الجيد أيضا ما قاله أكثر من مسئول فى الأيام الأخيرة، ومنهم الرئيس عبدالفتاح السيسى، إن الجزء الصعب من برنامج الاصلاح الاقتصادى، قد انتهى. يعنى بالبلدى فإن «ما هو قادم لن يكون أصعب مما مر».
أدرك المعضلة الصعبة التى تواجه الحكومة بشأن ضرورة الاصلاح الاقتصادى، لكن عليها ألا تنسى أن هموم الناس وصعوبات حياتهم وصلت إلى مرحلة غير مسبوقة.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع