بقلم - عماد الدين حسين
فى المؤتمر الصحفى بين الرئيسين المصرى عبدالفتاح السيسى والفرنسى إيمانويل ماكرون عصر الإثنين الماضى فى قصر الاتحادية بالقاهرة، كان هناك صراع بشأن مفهوم حقوق الإنسان لدى كل من مصر وفرنسا.
ربما هى تلك المرة الأولى منذ عام ٢٠١٣، التى يقف فيها رئيس أو مسئول أجنبى كبير، ليتحدث فيها بمثل هذا الوضوح عن موضوع حقوق الإنسان.
الرئيسان اتفقا فى العديد من الملفات الأساسية من التعاون الثنائى فى معظم المجالات، نهاية بالحرب على الإرهاب، والملف الليبى. لكن كان واضحا أن هناك خلافا حادا فى ملف حقوق الإنسان.
الرئيس الفرنسى السابق فرانسوا أولاند زار مصر أكثر من مرة، ولم يطرح الموضوع علنا، ربما طرحه فى الغرف المغلقة.
ماكرون مختلف كثيرا، ويتعامل باعتباره مسئولا عالميا، وقد وضح ذلك فى دعواته لإنشاء جيش أوروبى، أو خلافاته العلنية مع دونالد ترامب، وأخيرا فى صدامه مع الحكومة الإيطالية وبالأخص نائب رئيس الوزراء ماتيو سالفينى، وبالتالى علينا أن ندرك أنه لم يقصد خصيصا استفزازنا، وكان ينبغى أن ننتبه لهذا الأمر.
وهنا نسأل: هل كان من الأفضل الدخول فى هذه المناظرة، أم كان من الأجدى أن نترك ماكرون يقول «الكلمتين» وينتهى الأمر، عند هذه النقطة؟!.
لا توجد إجابة قاطعة، وهناك فريق يرى أن مصر كسبت؛ لأنها طرحت وجهة نظرها بصورة مفصلة فى مؤتمر نقله الإعلام الدولى المؤثر، وأكدت أن حقوق الإنسان الاجتماعية والاقتصادية، تتقدم على ما عداها، وبالأخص السياسية. وبالتالى، لن تكون مضطرة لإعادة شرح وجهة نظرها فى كل مرة يثار فيها هذا الموضوع.
فريق آخر يرى العكس تماما، وهو أن النظام خسر كثيرا؛ لأنه أعطى لماكرون فرصة ذهبية، ليعطينا محاضرة في حقوق الانسان من قلب قصر الرئاسة، والأهم أن من لم يكن يعرف أن هناك مشكلة لدينا، صار يعرف ذلك وأكثر، وبالتالى فالخسارة مضاعفة؛ لأنها ستجعل العالم يركز على هذا الملف باعتباره نقطة ضعف لدينا.
ظنى أن هناك سوء فهم لدى بعضنا، بشأن مفهوم حقوق الإنسان فى الغرب. الأمر هناك جزء من ثقافة الحكم لدى المجتمع بأكمله، ولا يشبه ما يحدث فى العالم الثالث، وهناك سنوات ضوئية تفصل بيننا وبينهم فى هذا الأمر، لديهم حياة سياسية وأحزاب ومنظمات مجتمع مدنى قوية جدا، ولديهم قوى اقتصادية ومجتمعية راسخة، تؤسس للتوازن الاجتماعى، وتحمى نموذجهم الديمقراطى من أى شطط.
ظنى أن سؤال محمد الباز بشأن: «هل غير ماكرون من رأيه أو رؤيته للقضية»، كان صحيحا، لكن الذى حدث فى بقية المؤتمر، هو أننا أعطينا ماكرون «الميكروفون» ليخطب ويعظ ويستعرض فى حقوق الإنسان.
النقطة الأخرى المهمة على هامش المؤتمر هى: من نخاطب ومن نريد أن نقنعه بوجهة نظرنا.. هل نركز على الداخل المصرى، أم الخارج العالمى؟!.
لو أجبنا عن هذا السؤال بدقة، فربما نستريح من مشكلات كثيرة. لو أننا نخاطب الداخل المصرى، فهناك أدوات وطرق مختلفة لذلك، وجزء كبير من الرأى العام المصرى كان يهتم بحقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية، وكان مستعد أن يقايضها بالحقوق السياسية، لكن ماذا سيحدث إذا لم يحصل على الحقوق الاقتصادية؟!.
أما إذا كنا نخاطب الخارج، فالأمر يصعب أن ينجح بهذه الطريقة. الغرب لديه قناعات راسخة بشأن مفهوم حقوق الإنسان، وهى بالنسبة له تشبه البديهيات. وترامب مثلا الذى يراه البعض فاشيا وعنصريا، يتقبل كل يوم انتقادات غير مسبوقة فى شخصه وفى سياساته، ورغم ذلك لا يعتقل معارضين مثلا. هو طرد مراسل السى إن إن، لكن رضخ لعودته بحكم قضائى؛ لأنه يعرف قواعد اللعبة الديمقراطية، حتى لو كانت لا تعجبه.
بالطبع السياق والظروف مختلفة بيننا وبين الغرب، وما أريد قوله أن ما يؤمن به بعضنا هنا فيما يتعلق بحقوق الإنسان، يستحيل أن نقنع به ماكرون أو أى مسئول أو حتى مواطن أوروبى، بمن فيهم حتى كارهى الدين الإسلامى نفسه!.
ظنى الشخصى أن حجم الخسائر كان أكبر من حجم المكاسب فى الجدل الذى جرى بشأن حقوق الإنسان، وإذا صح هذا الأمر، فأتمنى أن يتم إعادة النظر فى الطريقة التى نخاطب بها أنفسنا ونخاطب بها الخارج. لا أملك وصفة سحرية، لكن علينا أن نسأل أنفسنا بصراحة: ما هى الطريقة الأفضل للتصرف فى هذا الملف؟.
لا أتحدث عن العواطف والمشاعر والتمنيات، بل عن الواقع.. وأول سؤال جوهرى هو: هل نحن فى حاجة إلى الغرب، حتى نسمح له أن يعطينا محاضرات فى حقوق الإنسان أم ماذا؟!. سؤال نحاول الإجابة عنه لاحقا إن شاء الله.
نقلًا عن الشروق
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع