بقلم - عماد الدين حسين
الفيديو الذى يصور مشهد القبض على الارهابى الحسن عبدالله بالدرب الأحمر قبل ان يفجر نفسه، يكشف عن معانٍ شديدة الدلالة، ويساوى مليون مقال وصورة وخطبة وتصريح مجتمعين معا.
هناك أكثر من فيديو لهذه الحادثة، لكن أتحدث تحديدا عن ذلك المشهد الذى يخرج فيه الإرهابى من مسكنه بحارة الدرديرى. ويبدأ فى ركوب دراجته الهوائية، وبعدها ينقض عليه رجال الأمن، ويقبضون عليه، فقام بتفجير نفسه فيهم.
دور البطولة فى هذه القصة ليس فقط لرجال الامن، ولكن لكاميرات المراقبة، سواء فى الشوارع أو النوافذ والمنشآت العامة والخاصة. هذا الدور صار شديد الأهمية، ويمكن أن يكشف أعتى الألغاز والجرائم.
كاميرا بسيطة ثمنها قد لا يزيد عن ٣٠٠ جنيه مصرى «أقل من ١٧ دولارا»، حسمت امورا كثيرة، وأوقفت الكثير من الجدل و«اللت والعجن».
عرفنا أن هذا الإرهابى ــ وعمره 37 عاما ــ هو الذى وضع القنبلة أمام كمين مسجد الاستقامة بالجيزة يوم الجمعة الماضى. الكاميرا صورته، وبعدها أمكن تتبع تحركاته بالكاميرات الموجودة فى أماكن كثيرة مر منها.
شاهدنا أيضا العديد من الفيديوهات لهذا الإرهابى، فى أكثر من مكان، وهو يتحرك فى شوارع مختلفة، بل وهو يعبر بدراجته، من فتحة صغيرة فى الفاصل الحديدى بشارع كبير، ثم وهو يقود دراجته فى شارع آخر.
إذا فإن تحركات الإرهابى كانت تحت سيطرة الأجهزة الأمنية بصورة شبه كاملة، بعد قليل من تنفيذه عملية مسجد الاستقامة. شاهدنا رجال الامن ينتظرون قرب مسكنه، وفى اللحظة التى تحرك فيها، انقضوا عليه. لكن من الواضح أيضا أن هذا الإرهابى شديد الاحتراف والتدريب، وكان يضع فى حساباته أنه قد يقبض عليه فى أى لحظة، ولذلك فإن عملية تفجير نفسه لم تستغرق أكثر من ثانية، وهو أمر على أجهزة الأمن التحسب له، مستقبلا، بحيث لو كرره آخرون، ينتحرون هم فقط، ولا يتسببون فى أضرار لرجال الأمن.
نعود مرة أخرى لدور الكاميرات، لنؤكد على ضرورة وجود تشريع يلزم كل الهيئات والمؤسسات والمحلات العامة والخاصة بل والمبانى، بوضع كاميرات مراقبة فى أكثر من موضع، خصوصا أنها لم تعد مكلفة، وفوائدها لا تعد ولا تحصى.
الكاميرا التى صورت مشهد الحارة، قطعت ألسنة كثيرين كان يمكنهم الادعاء بأن الموضوع كله مفبرك من أوله لآخره، أو أنه مخالف للرواية التى تقصها أجهزة الأمن.
هذا الأمر تكرر فى أكثر من عملية قبل ذلك، وللموضوعية، فإن بعض الملابسات كانت تعطى البعض الفرصة للتشكيك فى أى رواية حكومية.
النقطة الأخرى، هى أن هذه العملية كشفت عن تقدم كبير فى قدرة أجهزة الأمن على الحصول على المعلومات، ولم تعد فقط مجرد متلقى للضربات الإرهابية. حينما تصل أجهزة الأمن لبيت الإرهابى بعد نحو ٤٨ ساعة من عمليته الإرهابية، فهو خبر يطمئن المواطنين كثيرا، ويجب أن يصيب الإرهابيين بالرعب.
كنت قد سألت أحد كبار المسئولين السابقين بوزارة الداخلية قبل عام، عن السبب وراء تزايد العمليات الإرهابية فى السنوات السابقة. فقال لى إن هناك أسبابا متعددة، أهمها أن هناك جيلا كاملا من الإرهابيين لم تكن أجهزة الأمن تعرف عنهم شيئا. جيل بلا ملفات، لأنه حينما قامت ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ كانوا ربما تلاميذ فى المرحلة الابتدائية، وأمكن تجنيدهم من التنظيمات الإرهابية. وهو يعتقد أن أجهزة الأمن صارت تعرف غالبية العناصر الإرهابية، فى حين أن الكوادر والقيادات الكبيرة للمتطرفين، فهم إما موجودون فى السجن، أو مطاردون فى المنافى، أو هاربون ومختبئون.
العامل الثانى هو الهزة الكبيرة التى تعرض لها جهاز الأمن الوطنى «أمن الدولة سابقا» منذ ٢٥ يناير وحتى قيام ثورة يونيو ٢٠١٣، والتنقلات والاستقالات داخله، الأمر الذى أدى إلى عدم تراكم الخبرة وانتقالها بصورة طبيعية.
هذا المصدر الأمنى الكبير قال لى يومها، إن كل ذلك انتهى، وعادت الأمور إلى طبيعتها فيما يتعلق بمراقبة ومتابعة ومطاردة ومكافحة المتطرفين.
المعلومات الساخنة هى العنصر الحاسم فى عملية مكافحة الإرهاب، ومن دونها لا يمكن الوقاية من هذا الفيروس الغامض. القبض على الكبار من القيادات والكوادر أحياء، أهم كنز للحصول على هذه المعلومات.
رحم الله شهداء التفجير الانتحارى الإرهابى فى الدرب الأحمر، وأسكنهم فسيح جناته. نقلًا عن الشروق القاهريةالمقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع