تتسارعُ وتيرة النزاع العسكري هذه الأيام على خلفية تصريحات دولية، تنادي لعقد مفاوضات تشمل مختلف الأطراف الدولية المؤثرة في النزاع السوري، في الوقت الذي تحكم فيه القوات الحكومية السورية السيطرة شبه التامة على جنوب دمشق.
تركيز النظام السوري محصور، هذه الأيام، على تأمين العاصمة دمشق بشكل كامل، وكذلك الحال تأمين حمص التي جرى الاتفاق حولها لخروج المعارضة إلى الشمال السوري بالقرب من الحدود التركية. ومن المرجح استكمال النزاع العسكري نحو إدلب، حيث تتواجد فيها العديد من التنظيمات السورية المعارضة.
أيضاً هناك عملية عسكرية نشيطة من قبل قوات سورية الديمقراطية «قسد»، تستهدف فيها تنظيم «داعش» الإرهابي شرق الفرات، وهي عملية عسكرية مدفوعة من قبل الولايات المتحدة الأميركية التي ترغب في تأكيد حضورها القوي في المشهد السوري.
عملية «قسد» العسكرية هذه تزامنت مع تصريحات لوزير الخارجية الأميركي جيمس ماتيس، قال فيها: إن واشنطن لن تنسحب من سورية قبل أن يحل السلام عليها، في إشارة إلى أن الولايات المتحدة الأميركية ترغب في أن تكون شريكاً قوياً وحاضراً في أي تسوية سياسية تخص الشأن السوري.
ما تريد تحقيقه واشنطن هو وضع حد لوجود تنظيم «داعش» الإرهابي في شرق الفرات ودعم قوات سورية الديمقراطية في المربع الشرقي الشمالي إلى جهة منبج التي تتمركز فيها قوات أميركية وأخرى فرنسية. ويلاحظ أن واشنطن تراهن على «قسد» التي تتمتع بقوة ونفوذ جغرافي يصل إلى ربع مساحة الدولة السورية، وهذه القوة قد تؤهل قوات سورية الديمقراطية لأن تكون شريكاً قوياً في أي تركيبة سياسية مستقبلية للنظام السوري.
من هنا يبدو أن النظام السوري يُركّز على تطهير «داعش» وإنهائه تماماً في مخيم اليرموك الواقع جنوب دمشق، ويسعى إلى توسيع نفوذ سيطرته الجغرافية، يشمل ذلك التركيز على التنظيمات السورية المتطرفة والمعتدلة التي تشكل التهديد الرئيس له.
أما عن فكرة مواجهة شاملة بين القوات الحكومية السورية وقوات سورية الديمقراطية، فإنها مستبعدة في ضوء الحديث عن الدول التي تقف خلفهما، إذ تدعم روسيا النظام السوري في حين تدعم الولايات المتحدة «قسد»، لكن أيضاً من غير المستبعد أن تحصل مواجهة عسكرية بين هاتين القوتين على الأرض.
من المهم الإشارة إلى أن الدول الكبرى المؤثرة في النزاع السوري تناور فيما بينها حتى تحصل على أكبر مصلحة ممكنة من الملف السوري، ويتبادر إلى الذهن هنا تصريحات صادرة عن وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، التي قال فيها: إن بلاده لم تشارك في قرار تطبيق العقوبات الأميركية والغربية على روسيا، من باب رد الجميل من الدب الروسي لتل أبيب في منطقة الشرق الأوسط، ويقصد هنا تحديداً سورية التي تشكل بالنسبة لإسرائيل مصدر تهديد.
ما يريده ليبرمان والحكومة الإسرائيلية هو أن يتم تفهم احتياجاتهم الأمنية في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً في المربع السوري، وعلى أن تأخذ روسيا هذه الاحتياجات في أي تسوية سياسية تنهي الأزمة السورية.
الإسرائيليون الذين قصفوا مواقع عسكرية سورية في أكثر من مرة، فعلوا ذلك بضوء أخضر أميركي وربما بسكوت روسي لاعتبارات تتعلق بأمنهم الإستراتيجي، لكن حادثة إسقاط طائرة عسكرية إسرائيلية في الجولان بمضادات أرضية سورية قبل أكثر من شهرين، بيّنت أن موسكو لم تعد راضية عن الفعل الإسرائيلي في سورية.
صحيح أن روسيا مستفزة من الموقفين الأميركي والإسرائيلي في حوادث منفصلة بخصوص ضرب مواقع عسكرية سورية، لكن ليس لديها أي مانع للمناورة والمساومة في المصير السوري، وهذا الموضوع يعتمد على حجم الصفقة.
هذه المساومة قد تكون مرهونة بحدود الدورين الأميركي والإسرائيلي على سبيل المثال في سورية، ومآلات التسوية السياسية، إنما تنظر روسيا إلى سورية على أنها الحليف الإستراتيجي الذي جعلها تعمل على تغيير قواعد اللعبة العالمية والمزاحمة في الفضاء الدولي بعد سنوات من السبات أيام الرئيس الروسي الراحل بوريس يلتسين.
بعيداً عن التباين في المصالح بين الدول الكبرى المؤثرة بالنزاع السوري، من المهم الإشارة إلى أن النظام السوري بات يفرض وجوده بحكم الإنجاز العسكري الذي حققه بدعم من روسيا، وبالتالي صار الحديث عن مسألة رحيل الرئيس بشار الأسد عن السلطة موضوعاً لا يثير حساسية وانتباه نظامه ولا حتى موسكو.
كل التركيز الآن حول مستقبل النظام السوري في ظل الأطراف والقوى المحلية على الأرض، وأغلب الظن أن الدول الكبرى تلعب على هذا الموضوع من حيث تأمين مصالح شركائها المحليين بعد أن تضع الحرب أوزارها.
الأميركيون لن يرحلوا عن سورية قبل أن يحققوا أهدافهم، وكذلك الحال بالنسبة للروس، وبين هذا وذاك تكون البلاد قد قدمت أكثر من نصف مليون قتيل وخسائر تتجاوز مئات مليارات الدولارات، في إطار نزاع قاسٍ كل همه حماية المصالح الدولية وإعادة تشكيل النظام الدولي. الواضح تماماً أنه ليس هناك من خارطة طريق لتسوية الأزمة السورية، إنما فقط خرائط طرق وكل خارطة تسير بعكس الأخرى.