لم يمضِ أسبوعان على إعلان روسيا تزويد النظام السوري بأنظمة الدفاع الصاروخي "أس 300"، حتى كانت بالفعل في حوزة النظام، الذي وصله أربع منصات إطلاق و49 قطعة عسكرية، من المحتمل أن يجري تشغيلها خلال أسبوعين.
وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أبلغ الرئيس فلاديمير بوتين بإتمام نقل هذه المنظومة الدفاعية، وهو قرار اتخذه الأخير وأمر بتنفيذه سريعاً؛ لمنع إسرائيل من انتهاك المجال السوري واستكمال عدوانها الذي بدأته منذ فترة طويلة تسبق حتى بداية النزاع السوري أوائل العام 2011.
الحكومة الإسرائيلية التزمت الصمت حيال حادثة إسقاط الطائرة الروسية "إيل 20" قبالة السواحل السورية، وحاولت تطييب خاطر بوتين، لكن ذلك لم يحصل ولم يتمكن بنيامين نتنياهو من زيارة موسكو لتسوية هذا الملف؛ بسبب الموقف الروسي الذي لم يرحب به.
بعد أن أصبحت منظومة "أس 300" بحوزة النظام السوري، خرجت الأصوات الإسرائيلية تنتقد الإجراء الروسي، وتعتبر أن من حقها مواصلة نشاطاتها داخل الأراضي السورية لحماية ما يسمى أمنها الإستراتيجي من الخطر الإيراني هناك.
وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان قال: إنه لا يمكن الاستغناء عن مواصلة العمليات العسكرية في سورية، وأما وزير التعاون الإقليمي تساحي هنغبي فقد ألمح إلى أن طائرات الشبح الإسرائيلية الحديثة "أف 35" التي تسلمتها بلاده من صانعها الولايات المتحدة الأميركية، قادرة على التحليق فوق المجال الجوي السوري دون أي خوف من "أس 300".
هنغبي اعتبر أن طائرة الشبح "أف 35" يمكنها اختراق مجال تغطية منظومة "أس 300" وتدميرها، لكن لم يقل إن كانت تل أبيب قد حصلت بالفعل على ضوء أخضر أميركي لاستخدام هذا النوع من الطائرات الحديثة فوق الأراضي السورية.
إسرائيل التي نفذت حوالى 200 عدوان جوي على سورية خلال عامين، يبدو أنها تعيش مأزقاً حقيقياً في أعقاب احتمالات إسقاط طائراتها العسكرية في حال أقدمت على عدوان آخر جديد يستهدف سورية، في ظل الغضب الروسي ووجود منظومة دفاعية قوية.
تصريحات هنغبي بشأن طائرة "أف 35" الحديثة ربما هي للاستهلاك الإعلامي أكثر من كونها قد تترجم على أرض الواقع؛ ذلك أن انتهاك المجال الجوي السوري بهذه الطائرة وفي هذه الأوقات الصعبة، قد يؤدي إلى تصعيد روسي ويجعلها تستدعي منظومة "أس 400" الأكثر تطوراً.
الموضوع لا يتعلق فقط بالقدرات الجوية الإسرائيلية، هذا إذا افترضنا أن واشنطن وافقت على استخدام طائرة "أف 35" ولم تتمكن الرادارات من التشويش عليها ولم تسقطها منظومة "أس 300". العبرة تكمن في التوقيت وغياب التنسيق، وهذا من شأنه أن يستفز روسيا أكثر فأكثر لجهة حماية وجودها باستدعاء أنظمة عسكرية أكثر تطوراً.
لن تهدأ تل أبيب حتى تجد مخرجاً لهذه الأزمة وترضي كبرياءها، ذلك أن موضوع التصعيد العسكري في سورية ومواجهة روسيا بشكل مباشر أو غير مباشر هو أمر مستبعد، ارتباطاً بالكُلف المترتبة على مثل هذا الفعل.
أغلب الظن أن إسرائيل، التي تدرك جيداً أن النظام السوري سيحصل على هذه المنظومة الدفاعية الجوية إن كان اليوم أو غداً، تُقيّم وتدرس كل الأخطار والاحتمالات وتحاول تسليط المجهر على منظومة "أس 300" الموجودة في سورية من باب التعرف على قدرات أعدائها.
قد تلجأ إسرائيل بعد أسبوعين إلى إرسال واحدة من طائراتها العسكرية لجس نبض الموقف الروسي والرد السوري بواسطة "أس 300"، وقد تستخدم كل أدواتها للضغط على موسكو من أجل وضع هذه المنظومة على مؤشر صامت.
العبرة الآن ليست في الوجود الروسي بسورية، وإنما بعد أن تضع الحرب أوزارها، لأن النتيجة ستكون في وجود هذا النوع من الأنظمة بحوزة النظام السوري، لكن إسرائيل أكثر ما يهمها الآن هو عدم امتلاك سورية أكثر من هذا النظام.
والأهم بالنسبة لتل أبيب يتصل بالوجود الإيراني في سورية، ومن المرجح أن قدرتها على التعامل مع هذا الملف محدودة بعد حادثة إسقاط "إيل 20"، ويبدو أنها ستعمل مع الولايات المتحدة الأميركية، التي أعلنت مؤخراً زيادة عدد دبلوماسييها في سورية إلى الضعف، من أجل ضمان رحيل إيران عن دمشق.
روسيا التي صمتت كثيراً عن الضربات الإسرائيلية في سورية، هي الأخرى غير مقتنعة من مسألة الإقامة الدائمة لإيران في سورية، خصوصاً بعد أن تضع الحرب أوزارها، لأن هذا الوجود سيؤثر على المصالح الحيوية الروسية، ولذلك فهي قد تشارك إسرائيل الموقف من الوجود الإيراني.
لكن هناك فرقاً يتعلق بطبيعة التحالفات القائمة على المصالح المشتركة، ذلك أن موسكو تنظر في الوجود الإيراني على المدى القريب عاملاً معززاً للقوات الحكومية السورية، وتنظر إلى أبعد من ذلك حيث طبيعة العلاقات بين البلدين التي تربط بينهما وحدة حال إزاء الموقف من واشنطن.
من غير المستبعد أن نسمع عن صفقة تحقق مصالح كل هذه القوى الإقليمية والدولية التي تنشط في الملف السوري: إسرائيل وإيران وتركيا والولايات المتحدة الأميركية وروسيا، فهؤلاء هم اللاعبون الذين يمتلكون القدرة على التأثير والمتواجدون في الساحة السورية.
هذه الدول ليست بريئة مما يجري في سورية، إذ كان يمكن لموسكو وقف تل أبيب عن كل عدواناتها داخل سورية، وكان يمكن أن تمنع أنقرة من الحضور في عفرين وإدلب، وأما طهران فقد جاءت لأهداف روسية- إيرانية مشتركة، وواشنطن حضرت تحت غطاء دحر التنظيمات الإرهابية.
"أس 300" تشكل جزءاً من اللعبة والمناورة المحدودة في إطار مناورة أكبر تتصل بترتيبات تسوية الأزمة السورية، وهي ترتيبات خاضعة لثلاثة عوامل: الحجم الدولي وحدود الأدوار ومآلات تشكل النظام الدولي، والفعل السياسي بما يترتب عليه من طبيعة الحكم في سورية، والمكاسب الاقتصادية الناجمة سواء عن الملف السوري أو البحث في المصالح الدولية المشتركة من النافذة السورية.