بقلم : هاني عوكل
بعد سيطرته على مدينة خان شيخون التي تبعد عن إدلب حوالى 70 كيلومتراً، تمكن الجيش السوري أخيراً من إحكام سيطرته على مدينة معرة النعمان فوق خان شيخون، وهو في طريقه الآن إلى استكمال قتاله شمال معرة النعمان باتجاه أريحا وسراقب الإدلبية.
تكمن أهمية معرة النعمان في كون الطريق الدولي بين حلب ودمشق يمر عبرها، وكذلك يمر عبر خان شيخون، ولذلك تعتبر هاتان المدينتان في غاية الأهمية بالنسبة للجيش السوري الذي دفع بتعزيزات عسكرية لاستعادة السيطرة الكاملة على إدلب التي يسكنها حوالى 3.5 مليون سوري.
قبل معرة النعمان تمكن الجيش السوري من استعادة عشرات القرى والبلدات، وفصل خان شيخون عن معرة النعمان، وكذلك فعل حينما استعاد الأخيرة وفصلها عن سراقب التي من غير المستبعد أن تكون محطته، كونها تقع شرق إدلب ويقطعها طريق حلب - دمشق الدولي.
ثمة أهمية لهذه المدن الإدلبية لا تتعلق بالاعتبارات الجغرافية فقط، وإنما في كونها معاقل لتنظيمات المعارضة وخصوصاً المتطرفة منها، واستهدافها يعني بالضرورة ضعف المعارضة وتراجع قوتها وانسحاب ما تبقى منها إلى تحصينات في شمال سورية حيث تنتشر القوات التركية.
في خان شيخون التي سيطر عليها الجيش السوري خرجت فصائل المعارضة إلى معرة النعمان ثاني أكبر مدن إدلب، ومنها خرجت الآن باتجاه أريحا وسراقب، ويبدو أنه ليس هناك من مفر سوى مواجهة الجيش السوري أو الانتقال إلى مناطق أخرى في الشمال للاحتماء بتركيا.
أنقرة التي دفعت نحو تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار مع روسيا قبل أكثر من أسبوعين تقريباً، أدركت أن الخيارات أمامها صعبة ولذلك دفعت بتعزيزات عسكرية لحماية نقاط المراقبة في إدلب، وهددت الجيش السوري باستهدافه إذا ما استهدفت نقاط المراقبة التي أقامتها هناك.
لن ينفع مع تركيا الطلب من روسيا وقف إطلاق النار في إدلب، إذ هناك اختلاف في المصالح بين الطرفين، وحتى لو تحقق شرط موسكو ودمشق بشأن فصل المعارضة المتطرفة عن المعتدلة، فإن الحكومة السورية مصممة على استعادة إدلب بالكامل، بما فيها المناطق التي تسيطر عليها القوات التركية.
بتعزيز قواتها في إدلب تحاول تركيا أن ترسم خطوطاً لوجودها ودورها هناك، غير أن ذلك ربما لن يتحقق لأسباب عدة، أولها أن روسيا والحكومة السورية متفقتان على وضع حد للوجود التركي في سورية، ولو أن موسكو تتفهم الاحتياجات الأمنية لأنقرة وتعطيها هامشاً للمناورة لتحقيق أهدافها.
ثانياً: الوجود التركي في شمال سورية نفع بشكل أو بآخر حكومة بشار الأسد من حيث إن الأخيرة لم تدخل في مواجهة مباشرة مع الأكراد، بل اعتبر الكثير منهم دمشق حصنهم ومرجعيتهم، واحتموا بها من الخطر التركي الذي تهددهم ومن الولايات المتحدة الأميركية التي تخلت عنهم.
القصد من ذلك أن الحكومة السورية التي سكتت عن الوجود التركي في الشمال، تستوعب أن هذا الوجود صحيح مفيد لكنه ينبغي أن يكون مؤقتاً، وينتهي بانتهاء هذا الوجود.
في موضوع إدلب وحماية تركيا للمعارضة السورية، قد تخرج الأولى خاسرة من هذا الرهان ولذلك حاولت شراء الوقت بتثبيت هدنة من أجل التفرغ للملف الليبي، ومع فشل وقف إطلاق النار قد تلجأ إلى روسيا لفتح نقاش حول مستقبل المعارضة المعتدلة وتأمين مطالبها.
ومن المستبعد أن تحصل أي مواجهات مباشرة بين الجيشين التركي والسوري في إدلب، وسبق أن حصلت مناوشات بين الطرفين لكنها انتهت بتدخل روسيا ومنع توسع النزاع، ولذلك يمكن القول إن الحكومة السورية ليست قلقة من تركيا طالما أن هناك روسيا القوية التي يمكنها التعامل مع أنقرة.
الآن كل ما يهم الجيش السوري هو استعادة إدلب بشكل كامل، مدركاً أن الضغط باتجاه المناطق شمال معرة النعمان سيدفع بنزوح آلاف السكان باتجاه قلب المحافظة وشمالها وجنوبها أيضاً، وإذا ما تمكن الجيش السوري من الوصول إلى سراقب وأريحا والسيطرة عليهما فإنه على الأغلب سيتمكن من إحكام السيطرة على كل إدلب.
في حسبة الجيش السوري حالياً مدينتا سراقب وأريحا، الأولى إذا تأمنت فهذا يعني تأمين طريق حلب - دمشق بالكامل، والثانية تقع على طريق حلب - اللاذقية والسيطرة عليها تعني صفعة قوية أخرى للمعارضة وتأثيراً مباشراً على معنوياتها وكذلك على خطوط إمدادها.
إذاً يمكن القول إن مسألة إنهاء ملف إدلب خاضعة لعامل الزمن وشبه محسومة للجيش السوري، وإذا ما تحقق ذلك قريباً قد نسمع قبلها أو خلالها عن مفاوضات تركية - روسية تتعلق بثمن خروج الأولى من سورية، وليس بالضرورة أن يكون خروجاً سريعاً بقدر ما يتعلق بسياسة العرض والطلب وتبادل المصالح وتحقيقها على الأرض السورية.
كذلك ستحاول تركيا الحفاظ على المعارضة المعتدلة حتى إذا خسرت إدلب، لأن الحفاظ عليها وتأمين وجودها في قلب سورية سيعني أن عين تركيا على الداخل السوري، وهي ترغب في لعب دور هناك كما تفعل إيران في العراق وكذلك سورية، وحال مثل هذه الدول أنها تريد ممارسة نفوذها الإقليمي وعدم ترك الساحة لدول قد تلعب هذا الدور.
ثمة مقولة "المكتوب مبيّن من عنوانه"، وهي تكاد تنسجم مع ما يجري الآن في سورية عموماً وإدلب على وجه التحديد، وبمعنى أدق أن الجيش السوري أعاد سيطرته على أهم المدن التي خرجت من مظلته، وفي إدلب حقق إنجازات عسكرية في بلدات وقرى إدلبية وألحقها به إلى جانب مدينتي خان شيخون ومعرة النعمان.