تُعقد القمة الرباعية بين رؤساء كل من روسيا وألمانيا وفرنسا وتركيا يوم غد السبت في اسطنبول، وسط مساحة كبيرة من الخلاف حول الملف السوري الذي يُشكّل عنوان اجتماع هذه الدول للبحث في العديد من الموضوعات وفي القلب منها مشكلة اللاجئين.
يمكن إطلاق مصطلح قمة الأولويات على اجتماع اسطنبول، انطلاقاً من الحاجتين الفرنسية والألمانية للتركيز تحديداً على موضوع اتفاق إدلب ومصير اللاجئين السوريين الذين يعيشون في أوروبا، علماً بأن باريس وبرلين تحضران إلى القمة وتتحدثان باسم الاتحاد الأوروبي.
هي قمة الأولويات لأن فرنسا وألمانيا ترغبان في كسر الاحتكار الروسي للملف السوري، والمشاركة فيه من باب تحقيق مصالح معقولة، ذلك أن القمة ستخوض في موضوعات كثيرة من بينها اللجنة الدستورية وإعادة إعمار سورية.
بطبيعة الحال لن تخرج القمة بقرارات كبرى، فهي تشاورية تناقش في مسألة الالتقاء بين أطرافها الأربعة حول قضايا يمكن التفاهم حولها. غير أن ما يلفت الانتباه إلى هذه القمة أنها مصغرة يغيب عنها لاعبون مؤثرون بقوة في الملف السوري هما الولايات المتحدة الأميركية وإيران.
في مسألة الغياب هذه يمكن القول إن واشنطن لها أجندتها الخاصة في سورية وهي تشتغل على هذا الأساس، مع توفر حد معقول من التنسيق مع روسيا لتجنب أي صدام عسكري فوق الأراضي السورية. فضلاً عن ذلك فإن أولويات الولايات المتحدة حول الملف السوري مختلفة تماماً عن أولويات الرباعي روسيا وألمانيا وفرنسا وتركيا.
ملف اللاجئين السوريين لا يهم واشنطن كثيراً كونها ليست متضررة من هذا الملف أولاً، وتمتلك معايير وسياسات محددة لاستقبال اللاجئين بأعداد مقبولة ومقننة، وبالتالي أولوياتها لا تتعلق بهذا الملف وإنما الأهم بالنسبة لها يتعلق بمصير الوجود الإيراني في سورية.
على هذا الأساس تتحرك واشنطن، ولذلك من غير المستبعد أن تقايض وجودها العسكري في سورية بمغادرة إيران تماماً عن الساحة السورية، مع رغبة أميركية في وجود معارضة تهتف باسمها وتكون عينها وعقلها في الداخل السوري.
من ذلك ربما لم ترغب واشنطن أن تكون طرفاً في قمة تُحرّكها أو تقودها وتدعو إليها روسيا، وتشعر بأن قوتها وحضورها في سلم النظام الدولي يعطيها أهلية التفاوض المباشر والثنائي مع موسكو أو ترك المفاوضات جانباً والمضي في ترسيخ أجندتها بسورية.
أما عن غياب إيران في قمة اسطنبول التي لم تُدعَ لها فله علاقة بحساسية الدول الأوروبية من هذا الوجود، وربما شعرت موسكو أن جلب طهران إلى هذه القمة سيوسع من دائرة الخلاف مع كل من فرنسا وألمانيا، فضلاً عن أن روسيا مدركة بأن كل الدول التي تقف في الطرف الآخر من موقفها إزاء الأزمة السورية ترغب في إنهاء الدور الإيراني بالأخيرة، وبالتالي قد يُشكّل عقد مثل هذه القمة رسالة إلى القيادة الإيرانية بأن عليها إعادة النظر في مسألة وجودها في سورية.
عودة إلى القمة الرباعية، يمكن القول إن مشاركة فرنسا وألمانيا فيها تأتي بهدف منع قيام أي عملية عسكرية في إدلب، لأن مثل هذا الفعل إذا حدث فإنه سيسمح بولادة موجة جديدة من المهاجرين السوريين، وبالتالي سيؤدي مثل هذا التدفق البشري إلى زيادة تأزيم الوضع الداخلي في أوروبا.
أيضاً هناك تصميم ألماني على معالجة ملف اللاجئين السوريين، خاصةً وأنه شكل تحدياً كبيراً للدول الأوروبية وعلى رأسها برلين التي طالتها سهام المعارضة التي دعت إلى وقف سيل الهجرة وإعادة اللاجئين إلى بلادهم.
موضوع اللجنة الدستورية توليه الحكومتان الفرنسية والألمانية كل الاهتمام أيضاً، على قاعدة تشكيل حكومة سورية ملونة ومحكومة بأطرافها وفاعليها على الأرض، والأهم حكومة مقبولة من جانب المجتمع الدولي تحظى بترحيبه واشتراطاته.
ملف إعادة الإعمار يأتي في آخر سلم الأولويات في الأجندتين الفرنسية والألمانية لأنه مرتبط بالنسبة لهما بحل باقي الملفات الأخرى، دون إسقاط رغبتهما في أن يكون لهما حصص في الاستثمارات لكن بعد أن تضع الحرب أوزارها.
هذه الأولويات ليست بذات سلم الأولويات الروسي، ذلك أن موسكو تسعى إلى تنفيذ ثلاثة عناوين، الأول إنهاء ملف إدلب الذي قال عنه وزير الخارجية سيرجي لافروف إنه مؤقت وينبغي حله بشكل نهائي والتركيز على منطقة شرق الفرات التي تخضع لنشاطات مشبوهة.
القصد من ذلك أن روسيا مهتمة لجهة حسم ملفات النزاع الكبرى مثل إدلب والمناطق التي تقع شرق الفرات، فضلاً عن الملف الكردي في الشمال السوري، والعنوان الثاني يتعلق بدعم روسي لحكومة سورية مُحرّكها ورأسها وجسمها هو النظام الحالي. العنوان الثالث يتصل بإعادة إعمار البلاد الآن، على اعتبار أن هذا الجو قد يُحفّز اللاجئين والنازحين على العودة إلى ديارهم.
الأجندة التركية أكثر ما يهمها هو الملف الكردي فضلاً عن دعم أصدقائها في المعارضة السورية المعتدلة والدفع باتجاه تشكيل حكومة سورية مستقبلية تستوعبهم، ولذلك يمكنها –أنقرة- أن تتنازل عن بعض مصالحها في سبيل إنهاء التهديد الكردي في خاصرتها الجنوبية.
أيضاً موضوع اللاجئين واحد من الملفات التي تعطيها أنقرة أهمية، لكنها ليست بذات الأهمية التي تعطيها كل من فرنسا وألمانيا انطلاقاً من فوائد ومزايا اللجوء وسهولة العيش والتجنس في الأخيرتين، فتركيا بحكم الجوار ومصاعب اللجوء فيها، تدرك أن ملف اللاجئين ممكن حله إذا تحسنت الأحوال في سورية.
قمة اسطنبول التي تعقد غداً استطلاعية لن تجني من الشوك العنب، فهي قمة تريد منها ألمانيا وفرنسا أن تقولا "نحن هنا"، وعلى الجانب الآخر ترى روسيا أن القمة محطة للبحث بهدف التقريب في وجهات النظر وتحديد الثمن الذي يمكن دفعه للخوض في عملية سياسية جدية.
ومرةً أخرى يغيب الموقف العربي عن كل هذه القمم والاجتماعات، سواء جنيف أو سوتشي وحتى أستانة، وكأن النزاع يحصل في بلاد ليست عربية، ومنطقة خارجة عن محيط الشرق الأوسط الذي يُراد له شيطنة دائمة لتعميق التبعية بالخارج.