قبل يومين من كتابة هذا المقال، صادق الكنيست الإسرائيلي بالقراءة التمهيدية على قانون الإعدام الذي يتيح للمحكمة إعدام الفلسطينيين الذين يقاومون الاحتلال، في حين أقر الكنيست نفسه قبل يوم من تشريعه هذا، تعديلاً على قانون أساس القدس عاصمة إسرائيل، الذي يحظر على أي حكومة إسرائيلية التفاوض حول القدس أو التخلي عن جزء منها في مفاوضات أو اتفاق سلام.
بالتأكيد ثمة أهداف واضحة من وراء إقرار مثل هذه التشريعات التي تعكس جوهر العقلية الإسرائيلية المتشددة إزاء الفلسطينيين، والتي تسعى كل الوقت إلى تصفيتهم وتصفية قضيتهم ومشروع حل الدولتين الذي أخرجه إلى النور الرئيس الجمهوري الأسبق بوش الابن.
قبل الخوض في الهدف من وراء إخراج هذه التشريعات إلى العلن في وقت قياسي، من المهم التأكيد أن إسرائيل لا تحتاج إلى اختراع قوانين عنصرية لإعدام الفلسطينيين أو مصادرة حقوقهم بالقوة، فهي تفعل ذلك كل الوقت دون الحاجة إلى أي قوانين تذكر.
لقد استخدم الاحتلال الإسرائيلي كل أنواع القتل والتعذيب ضد الفلسطينيين خارج إطار المحاكم، ونفذت إعدامات كثيرة ومباشرة بحق شهداء فلسطينيين لم يكن أمامهم سوى الدفاع عن قضيتهم وحقوقهم الوطنية المشروعة.
أيضاً ظلت القدس المحتلة تنتهك كل الوقت وتستهدف بالاستيطان وبالحفريات التي لم تتوقف إلى هذه اللحظة بهدف طمس معالمها الإسلامية والسعي الحثيث إلى تهويدها، وكل ذلك حدث ويحدث دون الحاجة إلى أي قوانين، ذلك أن كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والحالية لم تسقط موقفها من اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل.
في الأساس تتمنى الحكومة الإسرائيلية لو أنها تحتل كامل الضفة الغربية ولا تبقي للفلسطينيين سوى خيار إعلان الدولة في قطاع غزة، وحالياً يحدث أن الضفة شبه محتلة ومخنوقة بالاستيطان الإسرائيلي وبحواجز تطوقها من مختلف الجهات.
أما عن أهدافها في طرح هذه التشريعات على رأيها العام، فتتصل أولاً بحرف مسار الانتباه لقضايا الفساد التي تضرب مختلف أركان الحكومة وفي القلب منها رأسها بنيامين نتنياهو، الذي كان يمكن له أن ينزل عن شجرة الحكومة بحكم ملفات الفساد والرشاوى الموجهة ضده لو أنه يعيش في دولة ديمقراطية حقيقية.
كعادته يهرب نتنياهو دائماً من جمهوره بابتداع طريقة تلهيهم عن التركيز في مستقبله ومستقبل حكومته، إذ قدّم الرئيس الأميركي دونالد ترامب هدية لنتنياهو حين أعلن القدس عاصمة لإسرائيل ودعا إلى نقل سفارة بلاده إليها، فيما أكمل رئيس الحكومة الإسرائيلية المشوار بتأكيد أحقية بلاده السيطرة على كامل القدس بشرقها وغربها.
فكرة الاستعجال في رفع التعديل الذي طرحه حزب ائتلاف البيت اليهودي اليميني المتشدد على الكنيست والذي حظي بتصويت 80 من أعضاء الكنيست البالغ عددهم 120 عضواً، يصب في خدمة مصلحة نتنياهو أولاً وحكومته ثانياً، ومن ثم مصلحة إسرائيل وبالنسبة لقانون الإعدام هذا، فإنه يكمل مشوار انتباه الإسرائيليين إلى قضايا يرونها أهم من موضوع فساد نتنياهو، وكثيراً ما يحدث أن هربت الحكومات الإسرائيلية من أزماتها في شيطنة الفلسطينيين والذهاب إلى الوضع الداخلي لتحصين الرأي العام خلف الحكومة.
أما الهدف الثاني فيتعلق حتماً بربط المزاج الشعبي الإسرائيلي بقضايا عنصرية ضد الفلسطينيين، تهدف مع الوقت إلى الدأب على غرس قيم الكره والعدائية لهم، وإلا ما الذي جعل طيفاً كبيراً من الرأي العام يميل إلى النزعة اليمينية المتطرفة؟
أساساً قامت الأحزاب اليمينية المتطرفة على الحقد الأعمى تجاه الفلسطينيين والعرب، وكلما استهدفتهم في الصميم زادت شعبيتها، وبالتالي فإن الهدف من إيجاد قوانين عنصرية وممارسات قمعية إجرامية كلها تخدم السياسة الإسرائيلية في ربط الرأي العام بالمزاج الإسرائيلي الرسمي المتطرف.
الهدف الثالث يتصل بتصدير رسالتين واحدة للفلسطينيين والثانية للعالم. الأولى تقول للفلسطينيين بصريح العبارة: لا تحلموا بالقدس قبلة لكم، ولا تتوقعوا أن نناقش حولها في أي مفاوضات كانت، والأولى لكم إما أن تتقبلوا الأمر الواقع وتفاوضوا خارج نطاقها، أو أن تنتظروا دون مفاوضات إلى أن تهود بالاستيطان وأعمال الحفر وتغيير المعالم الدينية وبعدها وامتدادها الإسلامي.
الرسالة إلى العالم تحمل تحدياً للدول التي اعترضت على قرار ترامب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، وكثيراً لم تفكر سلطة الاحتلال بالدول التي تختلف معها حول القضية الفلسطينية، حتى أنها تعطي ظهرها للأمم المتحدة ولقراراتها التي تقف في المنتصف بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
ما تحسد عليه إسرائيل هو في التفاف الرأي العام الإسرائيلي إزاء المخاطر الخارجية التي تهدده، بصرف النظر عن طبيعة العلاقة السياسية الملتبسة بين اليسار وأقصاه، وبين الوسط واليمين وأقصاه، على عكس الفلسطينيين الذين يفترض أن توحدهم قضية أصيلة ومركزية مثل موضوع القدس.
صحيح أن الفلسطينيين لم يسكتوا عن قرار ترامب وأبدوا صلابة شديدة في التعامل مع ملف القدس، وناوروا واستبسلوا في الدفاع عن أقصاهم، لكن ينتظر الشارع الفلسطيني ويستحق بالفعل أن تزول الحواجز عن عنوان الانقسام الداخلي.
هذا هو الوقت المناسب جداً لتأكيد عمق العلاقات الفلسطينية الداخلية ونحو رفض أشكال التفتت والتشتت، والعمل ينبغي ألا يرتبط بالشعارات والخطب المهدئة، وإنما بتكريس خارطة طريق تقوم بالفعل على إزالة أسباب الانقسام والتركيز على كل المخططات الصهيونية لضم القدس وابتلاع الضفة الغربية.
غير ذلك، فإن الفلسطينيين يفقدون بصيرة النظر إلى المستقبل، وغير ذلك فإنهم بالفعل مهددون في وحدتهم ومصيرهم وقضيتهم وقدسهم ودولتهم المستقبلة. العالم يتغير وآن الأوان للشعب الفلسطيني أن يدرك أن عنوان صموده يكمن في تحصين بيئته ووحدته الداخلية.
إسرائيل التي تختبئ خلف الولايات المتحدة الأميركية، تراهن على فشل العرب في إدارة ملف القدس، وتراهن أكثر على عدم مضي الفلسطينيين في تحصين وحدتهم الداخلية، والمطلوب فلسطينياً وعربياً هو إيجاد إستراتيجية وطنية لوقف قرار ترامب، وحشد أكبر عدد من الدول لنصرة القضية الفلسطينية وفضح إسرائيل والاشتباك معها سياسياً في كافة المحافل الدولية.