بقلم-هاني عوكل
باستثناء التأكيد على وحدة الأراضي السورية والتمسك بمبدأ السيادة الكاملة، لم تحقق الجولة الحادية عشرة من أستانة التي عقدت أواخر الشهر الماضي أي نتائج جديدة بين الدول الثلاث الضامنة لهذه العملية روسيا وتركيا وإيران.
المبعوث الدولي الخاص إلى سورية ستيفان دي مستورا الذي شارك في هذه الجولة الأخيرة لهذا العام، كان يأمل تحقيق إنجاز يحسب له قبل رحيله عن هذه المهمة، والإنجاز يتعلق بحل معضلة اللجنة الدستورية التي طرحت في اجتماع سوتشي قبل أكثر من عشرة أشهر.
دي مستورا بدا منزعجاً من عدم تمكن الدول الضامنة من تشكيل اللجنة الدستورية، الأمر الذي اعتبره فرصة مهدورة، وكذلك الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية التي خاب أملها من موضوع تشكيل اللجنة.
بعد هذه الجولة يكون المبعوث الدولي دي مستورا قد أنهى مهمته دون أن يُسجّل انتصاراً لدوره في مسألة تقريب وجهات النظر بين الأطراف الدولية والمحلية المؤثرة في النزاع السوري، فهذه المهمة صعبة للغاية لأن مسألة النزاع تجاوزت البعد المحلي منذ بدايته وتحولت إلى حرب بالوكالة بين القوى الكبرى.
بالعودة إلى مسار أستانة، هددت الولايات المتحدة الأميركية بإنهاء هذا المسار إذا لم يتم تشكيل اللجنة الدستورية منتصف الشهر الجاري، ويفهم من التهديد حسب تصريحات المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري بأن البديل يكمن في العودة إلى جنيف.
في الأساس كثيراً ما أبدت واشنطن غضبها من الالتفاف على مسار جنيف التفاوضي باختلاق مسارين بديلين يتمثلان حالياً بأستانة وسوتشي، وتدرك أن هذين المسارين صاغتهما روسيا وتدعمهما في إطار التحولات التي يشهدها النزاع السوري.
لكن أيضاً ينبغي الإشارة في هذا المقام إلى أن مسار جنيف لم يحقق أي إنجاز ملموس على طريق تسوية الأزمة السورية، وبدا أن روسيا التي شككت في هذا المسار قد انسحبت تدريجياً منه، في حين أدارت واشنطن ظهرها لهذا المسار وركزت على مشروعها الخاص في سورية.
الآن هناك عدم ثقة من قبل الأطراف الدولية الكبرى بالمسارات السياسية المتعلقة بسورية، لا واشنطن ترحب كثيراً بأستانة وسوتشي، خصوصاً وأنها ليست طرفاً فيه، ولا روسيا مقتنعة بأن مسار جنيف التفاوضي سيسوي النزاع السوري.
ثم إن روسيا تعتبر أن مساري أستانة وسوتشي يشكلان مكتسبات لا يمكن التنازل عنها، لأن هذه الحواضن السياسية تُعبّر عن قوة الدعم الذي توفره القيادة الروسية للنظام السوري، وبالتالي ترى موسكو أن مؤشرات الحل قد تأتي من هذين المسارين.
الجولة الأخيرة لمسار أستانة لم تنجز الملفات الصعبة سواء في ملف اللجنة الدستورية أو في ملف إدلب، غير أن موسكو تدرك أن زمام الأمور بات بيدها ويد الحكومة السورية التي تتمتع بأفضلية من الناحيتين السياسية والعسكرية على مختلف أنواع المعارضة.
عدم استعجال روسيا في التقدم بالملف السياسي يأتي في إطار تقليص مساحة المناورة لدى المعارضة السورية المعتدلة، وهذه المساحة كلما تقلّصت عسكرياً فإنها ستتقلص سياسياً، وحينذاك يكون النظام السوري قد رسّخ وجوده وفرض نفسه في أي تشكيلة حكومية جديدة.
أيضاً لا يريد النظام السوري الاستعجال في حل الملف السياسي، لأنه حالياً يمضي في مسألتين: الأولى تتعلق بترميم قوته وإعادة بسط هيبته على المناطق التي سيطر عليها من المعارضة، وثانياً: البدء السريع في ورشة إعمار بعض المناطق المتضررة ودعوة اللاجئين والنازحين إلى العودة إلى تلك المناطق.
هذه الاستراتيجية التي يتحرك على أساسها النظام السوري تستهدف تحسين علاقته الداخلية والسعي إلى بناء علاقة صحية مع المواطن السوري، لأن ذلك من شأنه أن يجعل النظام أكثر قبولاً خصوصاً وقت حسم الملفات المهمة مثل موضوع صياغة الدستور ومستقبل العملية الانتقالية بما فيها شكل الحكومة.
بالإضافة إلى ذلك لا ترغب موسكو بالضغط نحو تسوية الملف السوري دون الانتهاء من موضوعات تجدها مهمة، مثل مصير الوجود الأميركي تحديداً وتهديد التنظيمات الإرهابية في شرق الفرات، أما موضوع الوجودين التركي والإيراني فهذا أمر تعتبره قابلاً للحل في إطار مظلتي أستانة وسوتشي.
أغلب الظن ألا نشهد إنجازاً كبيراً خلال ما تبقى من الشهر الحالي، وربما لن تكون هناك جولة جديدة من المفاوضات، اللهم إلا إذا دعت واشنطن بالفعل إلى عقد جولة جديدة من مفاوضات جنيف، لكنها إذا عقدت لن تخرج بالشيء الكبير الذي من شأنه أن يؤثر على مسار النزاع السوري.
المشكلة أن جميع الدول المؤثرة في النزاع السوري ترى فرصة لتسويته سياسياً، لكنها تعمل عكس ذلك وتؤمن بشدة أن الوصول إلى حل سياسي يأتي بعد أن يستنفد النزاع العسكري كل مراحله، ولذلك نلحظ أن خط النزاع الحالي بين مرحلة الاستراحة ومواصلة القتال.
ملف إدلب إن عاجلاً أم آجلاً سينتهي لصالح القوات الحكومية السورية، لأن روسيا سبق وأن صرحت بأن النظام السوري يريد استعادة هذه المحافظة، إنما التروي في حسم الملف يأتي في إطار فصل المعارضة المتطرفة عن المعتدلة وتحجيم الأخيرة قدر المُستطاع.
غير أنه تجدر الإشارة إلى أن تسوية النزاع السوري لا يمكن أن تحل دون الولايات المتحدة، ليس لأنها الدولة الأقوى والأكثر حضوراً في العالم فحسب، وإنما لأن لها قواعد في سورية، وبالتالي البحث في نهاية الأزمة من جذورها ربما يستوجب فتح النقاش معها والمساومة حول طلباتها.
هذا ما تريده واشنطن وسبق أن لمّحت حوله من أنها قد تحسم وجودها في سورية تحديداً بمسألة الوجود الإيراني هناك فضلاً عن قضايا أخرى، وبالتالي قد نلحظ هذا النقاش التساومي لاحقاً بينها وبين روسيا تحت مظلة جنيف وربما في أستانة أو سوتشي، أو حتى ضمن مظلة جديدة أو عبر حوار يجمع هذين القطبين.
نقلاعن جريدة الايام
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع