بقلم: هاني عوكل
قبل يومين، طار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى موسكو للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين والتباحث في معالجة ملفات "دسمة" بسلّة النزاع السوري الذي يشهد تطورات دراماتيكية تنذر بنهاية هذه الأزمة.
أردوغان الذي اقترح على الرئيس الأميركي دونالد ترامب فكرة إقامة حزام أمني على الحدود السورية- التركية، التقى بوتين للبحث في إمكانية نقل هذا المقترح إلى واقع، ذلك أن القيادة التركية تسابق الزمن لإنشاء المنطقة الآمنة قبل أو خلال الانسحاب الأميركي من سورية.
في القمة، بدا أن أردوغان منحاز للحديث مفصلاً ومطولاً عن المنطقة الآمنة، وبدا أيضاً لنظيره بوتين أن الحديث ينبغي أن يركز على ملف محافظة إدلب الذي ترى فيه موسكو موضوع الساعة والأولوية التي تسبق أولوية "منطقة تركيا" الآمنة.
بوتين في مقترح المنطقة الآمنة لم يدخل كثيراً في التفاصيل، ولم يقدم معالجات سريعة، وإنما اكتفى بالقول: إن استقرار المنطقة منوط بفتح حوار بين الحكومة السورية وممثلين عن الأكراد، ويبدو أن الروس منحازون لمسألة أن حل المشكلة الكردية ينبغي أن يكون من الداخل السوري.
في الحقيقة، يجوز القول: إن هذه الرؤية منطقية، لأنه بالحوار الداخلي بين سورية الأسد والأكراد قد يعني ذلك علامة جيدة في دفتر المصالحات الداخلية، وعلامة مقبولة في مسألة طمأنة جيران سورية من العقدة الكردية.
مع ذلك، لا تبدو هذه الرؤية الروسية بنظر أردوغان مقبولة، حيث يريد الأخير إقامة منطقة آمنة خالية من الأكراد وتقع صلاحياتها في عهدة الأتراك، بينما يرى بوتين أن الحل الذي يمكن الوصول إليه في المنطقة الآمنة هو أن تكون تحت عهدة الجيش السوري.
بوتين لم يجب عن كل أسئلة أردوغان القلقة بشأن المنطقة الآمنة، واستبدل هذا الحديث بالبحث في موضوعات كثيرة من بينها التنسيق والتعاون بين البلدين خلال وبعد الانسحاب الأميركي من سورية، فضلاً عن البحث في مصير محافظة إدلب.
في موضوع الانسحاب الأميركي، اتفق الرئيسان على التعاون لمنع حدوث أي فراغ يتزامن مع هذا الانسحاب ويفضي إلى سيطرة التنظيمات الإرهابية على مواقع الأميركان. أردوغان يقصد هنا الأكراد وهو لا يريد بأي شكل من الأشكال أن يستلموا المواقع الأميركية.
الروس في المقابل يبحثون في أولوية أن يسيطر الجيش السوري على المواقع التي سيخليها الأميركان، ولذلك قد تدفع موسكو لجهة فتح حوار بين الحكومة السورية والأكراد حول هذا الموضوع ومسألة ما بعد الانسحاب الأميركي من سورية.
أما فيما يتعلق بملف إدلب، يمكن القول: إن الروس أبدوا انزعاجهم من التدهور الحاصل في منطقة خفض التصعيد هناك، ذلك أن تنظيم جبهة النصرة المتطرف يسيطر على مناطق واسعة في هذه المحافظة التي تحظى هي الأخرى بسيطرة المعارضة السورية المعتدلة.
بوتين دعا أردوغان إلى اتخاذ إجراءات صارمة لإنهاء ملف إدلب، بحيث يتم استئصال التنظيمات الإرهابية والبحث في مصير المعارضة المعتدلة، غير أن أنقرة لا تريد الاستعجال في تسوية ملف إدلب قبل أن تنهي ملف الأكراد.
ويبدو أن الرئيس الروسي الذي دعا إلى عقد قمة ثلاثية تجمعه إلى جانب تركيا وإيران، يرغب في وضع حد لملف إدلب عبر مسار أستانا على اعتقاد أن خضوع إدلب تحت سيطرة الجيش السوري سيقود إلى تعجيل إنهاء الأزمة السورية.
وقد يضطر أردوغان للمساومة في ملف إدلب مقابل قبول روسيا بترتيبات المنطقة الآمنة التي تريدها تركيا، من ذلك مثلاً أن تنسق أنقرة مع موسكو لضرب التنظيمات الإرهابية في إدلب والقضاء التام عليها، ومن ثم الضغط التركي على المعارضة المعتدلة للقبول بسيطرة الجيش السوري على كامل المحافظة.
ومن جانبها، قد توافق موسكو على إقامة منطقة آمنة شمال سورية، بشرط أن تخضع للجيش السوري أو أن يكون هناك تنسيق بين الأخير ونظيره التركي لتأمين الحدود، وهنا نسمع تصريحات حديثة عن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو يقول فيها: إن بلاده تجري اتصالاً غير مباشر مع الحكومة السورية.
تدرك تركيا جيداً أنها إذا أرادت إخضاع الأكراد إلى منطق الأقلية التي تبحث الستر والسلام، فإن عليها التنسيق مع الحكومة السورية بهذا الشأن، لأنه من غير المنطقي أن تواجه أنقرة أكراد سورية في بلد مجاور ودون أن تنسق مع السلطة القائمة على الأرض.
ولذلك قد تدفع روسيا نحو خيار الربط بين الثلاثي: تركيا وسورية والأكراد، سواء من حيث تقليم أظافر الأكراد ودفعهم للعيش الآمن تحت مظلة الدولة السورية، والقبول بترك السلاح وترك كل الأفكار التي تدعو إلى إقامة حزام كردي في الشمال السوري. أو سيكون الخيار الآخر متعلقاً بتشكيل منطقة آمنة يكون فيها للجيش السوري دور كبير لضبط الحدود في الشمال، وهذا الموضوع مفتوح للنقاش بين روسيا وتركيا.
وقد تضطر تركيا إلى التخلي عن المعارضة السورية المعتدلة لإنهاء العقدة الكردية، إذا ما حشرت في الزاوية وخيّرت بين إنهاء ملف إدلب وتسوية الملف الكردي، حينذاك فإنها ترى في نهاية الأزمة الكردية قضية قومية تركية وأمّ الأولويات.
واضح من قمة بوتين وأردوغان أنها تأتي في إطار اللعب على وتر المصالح، ولذلك قد نسمع عن قمم ثنائية تجمعهما في المستقبل القريب جداً، وقد تتوسع إلى قمم تجمع أكثر من طرف في إطار حلحلة الأزمة السورية التي تشهد بداية النهاية السعيدة لصالح سورية الأسد.