زيارة ضرورية يقوم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى روسيا، بعد عدة أيام، لا تتعلق بمستقبل العلاقات بين البلدين فحسب، وإنما تبحث في العنوان العريض الذي يقلق إسرائيل كل الوقت، المتمثل في البعبع الإيراني ومآلات النزاع السوري.
قبل هذه الزيارة، حلّ نتنياهو ضيفاً على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في التاسع من أيار الماضي، وحينذاك اجتهدت وسائل الإعلام في تحليل الزيارة، وخلصت إلى أن الأول تمكّن من إقناع الثاني بعدم تسليم النظام السوري صواريخ أس 300 المتطورة.
نتنياهو، الذي يتابع الموقف الروسي عن كثب في علاقته مع إيران وسورية، يحرص كل الوقت على زيارة بوتين، والحديث عن شراكات وعلاقات سياسية واقتصادية، تجعل تل أبيب دولة صديقة لروسيا في إطار تبادل المنافع والمصالح المشتركة.
أما لماذا سيزور رئيس الوزراء الإسرائيلي موسكو، فهذا يتعلق بما يجري الآن في الجنوب السوري، حيث تقوم القوات الحكومية بعملية عسكرية تستهدف السيطرة الكاملة على هذه المنطقة، وإخضاع نقاط التماس الجنوبية الغربية في القنيطرة والجولان المحتل لعهدتها الكاملة.
على هذا الأساس سوف يذهب نتنياهو، لأنه لا يريد أن يشعل صراعاً من المحتمل أن يتوسع، خصوصاً أنه سبق أن حذرت موسكو بشكل ضمني من تبعات التدخل العسكري الإسرائيلي، ملوحةً بعصا الــ "أس 300"، كما فعلت من قبل غداة ضربة التحالف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ضد منشآت سورية.
صحيح أن بوتين غض الطرف كثيراً عن أعمال إسرائيل العدوانية وقصفها المتكرر داخل الأراضي السورية، لكن روسيا تفهم أن لإسرائيل مصلحة في بقاء تفوقها العسكري في المنطقة، وتفهم أن الأخيرة ترغب بشدة في أن يكون هناك نظام سوري "أسد من ورق".
في كل الأحوال، لروسيا مصلحة في تمكين علاقتها مع إسرائيل، لأن مثل هذه العلاقة تضعها في مقام الدولة التي تحظى بسمعة ومكانة جيدة بين مختلف دول العالم، ولذلك سيأخذ بوتين في الاعتبار مصلحة بلاده وحلفائه في سورية، وسيسعى إلى موازنة أفعاله دون أن يردّ نتنياهو خائباً.
لا بد من الملاحظة هنا أن نتنياهو ذهب إلى موسكو أكثر من مرة، وهذه الزيارات عدا أنها تشكل انطباعاً بأن روسيا من يتحكم بخيوط اللعبة في سورية، فإنها تقدم إثباتاً على أن تل أبيب تراهن على الدب الروسي في تأمين مصالحها الحيوية.
كان يمكن لإسرائيل أن تطلب من الولايات المتحدة الأميركية في سورية حماية مصالحها، وهي تفعل ذلك، لكنها أيضاً تريد تنويع علاقاتها وشبكة تفاعلاتها مع دولة مثل روسيا التي باتت لاعباً دولياً يؤثر في شكل النظام الدولي، كما هو حال ذهاب إسرائيل إلى الصين وعلاقاتها المتينة مع الهند... إلخ.
الآن كل ما يريده نتنياهو من بوتين هو الآتي:
أولاً: التأكد من عدم خضوع الجنوب والجنوب الغربي في سورية إلى قوات إيرانية.
ثانياً: ضمان تفوق إسرائيل العسكري، ما يعني عدم تزويد النظام السوري بأسلحة متطورة يمكنها تهديد إسرائيل.
ثالثاً: ترغب تل أبيب بشدة في بقاء المعادلة الأمنية التي تعطي الحق لها في مواصلة احتلال هضبة الجولان، ولذلك فإن نتنياهو يريد الاطمئنان إلى مسألة استمرار فرض السيطرة على هذه المنطقة الجيوإستراتيجية بالنسبة لإسرائيل.
رابعاً: تبحث إسرائيل في تطوير علاقتها مع روسيا، مستفيدةً من صعودها التدريجي والقوي في ظل قراءاتها التاريخية التي أعطتها الأفضلية، حينما نقلت مستوى تركيزها قبل وبعد ولادة الصهيونية من أوروبا إلى أميركا، ووسعت من حضورها السياسي والاقتصادي في الأخيرة.
قد لا تنقل تل أبيب تركيزها من واشنطن إلى موسكو، لكنها في سبيل الحفاظ على تفوقها الإقليمي مستعدة للتحالف مع الشيطان، وتجد أن من الضروري وجود قوى إقليمية أضعف منها، وفي مقدمتها إيران، ثم باقي العرب، دون إغفال تركيا الأردوغانية.
أغلب الظن أن يحصل نتنياهو على ما يريده من بوتين دون تحريك قطعه العسكرية داخل سورية، لكن ذلك يعتمد على حجم المساومة التي يقوم بها البلدان، كلٌ من مصلحته لتأمين منافعه، مع إدراك الدولة العبرية أن النظام السوري ليس في وارده الآن الحديث عن هضبة الجولان.
أساساً النظام السوري حينما كان في أوج قوته وشبابه، لم يتحرك لوقف الاعتداءات الإسرائيلية التي انتهكت سماءه، وظل مواظباً على رفع يافطة استعادة الجولان المحتل، لأنه كان يدرك أن فتح جبهة مع إسرائيل قد يقود إلى كارثة حقيقية في إطار اختلال ميزان القوة العسكرية لصالح الأخيرة.
كل ما يهم النظام السوري الآن هو السيطرة الكاملة على مفاصل الدولة، وتأمين النقاط الحدودية، سواء في الجنوب الغربي أو في الشرق والشمال، ولذلك فإن المعركة بالنسبة له لا تزال مفتوحة على المجهول، لأن أخطر ما فيها، بعد تأمين الجنوب، تأمين الشمال ووضع حد للتمدد الكردي.
زيارة نتنياهو المقبلة واحدة من المحطات التي يقصدها إلى موسكو؛ للاطمئنان على حسن العلاقة معها، وللحفاظ على ما يسعى إليه من مكتسبات قبل وبعد تسوية النزاع السوري، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا النزاع في بداية نهايته.