سورية بين ترامب وماكرون
آخر تحديث GMT 21:12:46
 فلسطين اليوم -

سورية بين ترامب وماكرون

 فلسطين اليوم -

سورية بين ترامب وماكرون

بقلم :هاني عوكل

تداولت وسائل الإعلام العالمية اللقاء الثنائي الجديد الذي جمع الرئيسين الأميركي والفرنسي دونالد ترامب وإيمانويل ماكرون، وتطرقت إلى مسألة إقناع الثاني نظيره ترامب بالعدول عن الخروج من سورية والبقاء هناك حتى إشعار آخر.

صحيح أن الرئيس الأميركي كان ميّالاً للخروج من سورية، لكن كافة الوقائع على الأرض ظلت تعكس خطاباته حول الانسحاب، وفي حين كان يتحدث هو عن اقتراب موعد الرحيل، يأتي من بعده من جوقة المستشارين العسكريين والسياسيين ويؤكدون بقاء القوات الأميركية في سورية.

ماكرون الذي حرص على لقاء ترامب، له وجهة نظر مختلفة فيما يخص الملف السوري، إذ إنه لا يرغب في أن تترك الولايات المتحدة الأميركية لروسيا وحلفائها الإيرانيين تحديداً الانفراد في الملف السوري والتوسع في منطقة الشرق الأوسط.

الموقف الفرنسي ينبع من عدة عوامل، أولها مصالح باريس الحيوية في منطقة الشرق الأوسط وفي القلب منها علاقتها الوطيدة بلبنان، وثانياً الخوف من التمدد الروسي والإيراني الذي يُشكّل بالنسبة لها تأثيراً على أدوارها الاقتصادية ومشروعاتها الرأسمالية هناك، وثالثها له علاقة بالدور الذي تلعبه فرنسا لصالح توسيع حضورها من قلب الاتحاد الأوروبي ونفوذها الدولي والإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، وهناك طموحات لماكرون تتصل بسعيه ربما لإزاحة ألمانيا عن الدور القيادي الذي تقوم به في إدارة الملفات الدولية من بوابة الاتحاد الأوروبي.

على هذا الأساس طلب ماكرون من ترامب إرجاء إعلان الانسحاب الأميركي من سورية، وهو طلب تدرسه الإدارة الأميركية قبل لقاء الرئيسين، إذ في حسابات المصالح تستخدم واشنطن القلم والمسطرة وتحسب حجم الكلف المترتبة على هذه المسألة.

ثم إن الرئيس الفرنسي يستخدم علاقته الجيدة بترامب ويوظفها في إطار الاستفادة من الدعم الأميركي لبلاده، وفي ذات الوقت يرى الرئيس الأميركي أنه ليس هناك من هو أفضل من نظيره الفرنسي لتسوية الخلافات مع أوروبا.

في كل الأحوال لن تبقى الولايات المتحدة الأميركية في سورية، لكن الله أعلم إلى متى ستبقى هناك وهذا فعلاً ما صرّح به ترامب حين قال: إن بلاده سترحل عن سورية لكن بعد أن تتحقق رؤيتها هناك، وهذا التصريح المطاطي لا يعطي موقفاً حازماً من مسألة إدارة الظهر لسورية.

أكثر ما كان يريده الرئيس الفرنسي هو الطلب من الإدارة الأميركية عدم ترك روسيا تحتكر إدارة المفاوضات وتقرر مصير النزاع السوري والدولة السورية كما يحلو لها، ولذلك كانت الدعوة الفرنسية في إطار الاتحاد الأوروبي تذهب نحو الدخول في مفاوضات حقيقية ترعاها الأمم المتحدة وتشارك فيها كافة الأطراف الدولية المؤثرة في النزاع السوري.

الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية بدت مقتنعة منذ فترة بأن الحديث عن رحيل الرئيس السوري بشار الأسد لم يعد مطلباً واقعياً في ظل حجم المكاسب العسكرية التي تحققها القوات الحكومية السورية، وهي ترى أن الخيار الأنجع لتحقيق مكاسب سياسية من النزاع السوري هو بإشراكها في مفاوضات تلبي مصالحها وتضمن وجود نظام حكم سوري يخضع لمعادلة التمثيل النسبي أو بالاتفاق المحاصصي.

وربما يلاحظ الجميع الحركة الدؤوبة التي يقوم بها المبعوث الدولي الخاص إلى سورية ستيفان دي مستورا في سبيل إجراء مفاوضات تجمع فرقاء النزاع السوري، في إطار رغبة أممية وأوروبية بأن تتوسع هذه المفاوضات لتشمل الأطراف الفاعلة في سورية.

من المرجح أن يكون ماكرون قد أقنع نظيره ترامب أن التحرك المثمر بات مطلوباً وبشكل ملح في الإطار السياسي المفاوضاتي، وعدم التركيز على مسألة النزاع العسكري، مع ترك مسألة بقاء القوات الأميركية باعتبارها ورقة رابحة للمساومة على مصير الوجود الأميركي في المربع السوري.
وهذا ربما سيعني أن الملف السوري سيشهد في المستقبل القريب تحركات دبلوماسية لإعادة ضبط المفاوضات على إيقاع التمثيل النسبي للأطراف الدولية المؤثرة في النزاع السوري، وعدم ترك مصير سورية تقرره كل من روسيا وإيران وتركيا كما هو الحال في مسار أستانا. 

ثم إن ترامب لم يكن ليقرر هكذا وبشكل سريع الخروج من سورية، غير أنه أثار هذا الموضوع لأنه يريد لحلفائه أن يدفعوا تكاليف الوجود الأميركي، وهو ابتزاز يأتي أولاً وأخيراً لخدمة المصالح الأميركية في المنطقة.

في مسألة النزاع السوري موضوع الابتزاز هذا والمساومة بين الدول الكبرى حاضر بشكل شبه يومي، إذ تفكر روسيا الآن بتزويد النظام السوري صواريخ دفاعية متطورة من طراز أس 300، وهذا التفكير أقلق الغرب كثيراً ومن قبله أقلق إسرائيل.

أما لماذا تفكر روسيا بتزويد حليفها السوري بتلك الصواريخ، فإنه يأتي استجابةً لتحذيرات روسية من مغبة توجيه ضربة عسكرية غربية إلى منشآت حكومية سورية، وبالتأكيد سيدخل موضوع الصواريخ هذا في جملة من المفاوضات «المساومية» وسياسة الأخذ والرد بين الدول المؤثرة في النزاع السوري.

كما أن موسكو تدعم القوات الحكومية السورية في الإسراع بتوجيه ضربات قاضية خصوصاً في مربع العاصمة دمشق، لتنظيفها من كل أنواع المعارضة واستكمال هذا التنظيف في محافظة حمص، وربما الذهاب شمالاً نحو إدلب.

هذا الاستعجال يأتي لتعظيم المكاسب العسكرية ومن ثم الحديث بقوة حول ترجمة هذه المكاسب في أي مسار أو مشروع مفاوضاتي سواء بوجود الغرب أو بعدم وجوده، وحينها تكون روسيا وسورية كسبت النزاع أو على الأقل ثبّتت موسكو وجودها على الأرض السورية.

ما زلنا نعيش فصول دراما القط والفأر، وهي فصول طويلة نسبياً وتحتاج إلى المزيد من الوقت حتى تتضح معالم «الطبخة» التي قد تستقر حولها سورية، ذلك أن الأخيرة قد لا تكون على موعد مع رابح وخاسر في هذه المعركة، وإنما من المرجح أنها ستخضع لعمليات تجميلية بمباضع أميركية وروسية ومن حولها ومن لفّ لفيفها. 

المصدر : جريدة الأيام

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سورية بين ترامب وماكرون سورية بين ترامب وماكرون



GMT 09:19 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

الـــوعـــي أهــــم مـــن «كـــورونــــــــا»

GMT 05:59 2020 الجمعة ,12 حزيران / يونيو

كلنا مسؤول في عصر "كورونا"

GMT 07:08 2020 السبت ,23 أيار / مايو

أوروبا وسياسة الضم

GMT 07:08 2020 الجمعة ,17 إبريل / نيسان

أنقذوا سورية من «كورونا»

GMT 05:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

دلالات نقاط المراقبة التركية في سورية

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:06 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يعزز صحة العين ويسهم في الحفاظ على البصر
 فلسطين اليوم - الفستق يعزز صحة العين ويسهم في الحفاظ على البصر

GMT 17:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفل بـ40 عامًا من الابتكار في مهرجان "نيسمو" الـ25
 فلسطين اليوم - "نيسان" تحتفل بـ40 عامًا من الابتكار في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 08:51 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 21:38 2020 الأحد ,03 أيار / مايو

حاذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 06:51 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحمل" في كانون الأول 2019

GMT 07:28 2020 الخميس ,18 حزيران / يونيو

«الهلال الشيعي» و«القوس العثماني»

GMT 01:18 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة "أيقونة" رفع الأثقال بعد صراع مع المرض

GMT 22:54 2016 الجمعة ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أصحاب دور العرض يتجهون إلى رفع "عمود فقرى" من السينما

GMT 10:32 2020 الأربعاء ,20 أيار / مايو

فساتين خطوبة للممتلئات بوحي من النجمات

GMT 16:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

أحدث تصاميم ديكور لحدائق المنزل

GMT 17:03 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

اعتقال موظف وعشيقته داخل مقر جماعة في شيشاوة

GMT 12:46 2019 الخميس ,24 كانون الثاني / يناير

العقوبات الأميركية تطال منح الطلاب الفلسطينيين في لبنان

GMT 09:52 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

قناعاتنا الشخصية
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday