مثل الجبل الذي ولد فأراً، هكذا كان حوار الفصائل الفلسطينية التي اجتمعت بالقاهرة يومي الحادي والعشرين والثاني والعشرين من الجاري، وحيث إن المكتوب يقرأ من عنوانه، كما يقولون، فإن عنوان الحوار ونتيجته كانا في بيانه الختامي، الذي لم يتعد كونه إنشاءً لغوياً، لم ينطو على شيء مهم، وجاء احتفالياً، دلل على مستوى أو حجم الفعل أو التأثير الفصائلي في حقيقة الأمر، بالواقع الفلسطيني.
والبيان أعفى رئيسي الوفدين، عزام الأحمد وصالح العاروري، فضلاً عن الراعي المصري، من عقد مؤتمر صحافي، لإعلان نتائج الحوار، كما أنه قطع عملياً أي متابعة إعلامية تالية، يمكن أن يقوم بها أحد أو بعض المشاركين في الحوار، الذي لم ينتج سوى هذا البيان، الذي عبّر عن احتفاء الفصائل باتفاق «حماس» و»فتح» في الثاني عشر من تشرين الأول الماضي، لا أكثر ولا أقل.
لم ينتج الحوار إذن سوى هذا البيان، وليس هناك أدنى تقدير بوجود ما يمكن أن يكون المشاركون قد اتفقوا عليه، وفضلوا إخفاءه عن الرأي العام، ذلك أن اللقاء كان «شعبياً» ضم «أمة لا إله إلا الله»، وقد انحصر الحوار منذ بدايته في الجدل الذي نشأ بين «حماس» و»فتح»، وكانت شاهدة عليه الفصائل، حول البحث في تنفيذ اتفاق القاهرة 2011 أم البحث في تمكين الحكومة فقط _كما كنا قد توقعنا في مقالنا السابق_ وبالنتيجة ورغم أن معظم ممثلي الفصائل، كانوا مع البحث في تنفيذ اتفاق القاهرة، إلا أن «فتح» نجحت في فرض جدول الأعمال، الذي اقتصر على بند تمكين الحكومة، وتأجيل كل ما تبقى، وإلقاء الكرة مجدداً في ملعب غزة، لدرجة أن البيان نفسه، كما هو حال الحوار، خلا من اتخاذ قرار أو حتى توصية باتخاذ قرار، تشير إلى الإجراءات العقابية المتخذة بحق غزة.
التحديد الوحيد الذي جاء في البيان كان صادماً، ونعني بذلك دعوة «الحوار» إلى لجنة الانتخابات والجهات المعنية لإنجاز كافة أعمالها التحضيرية لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني المتزامنة في موعد أقصاه نهاية 2018.
وهذا يعني بكل وضوح، أن مسلسل الحوار ما زال طويلاً، وفي أول حلقاته، وأنه سيكون أشبه بمسلسل تركي طويل وممل، وأنه محفوف بالمخاطر الجمّة، خاصة أن عاماً ونيفاً، يعنيان أن مستجدات داخلية وإقليمية، تهدد كل المسار، وأنه بالنظر إلى التقديرات التي تشير إلى علامات ترتيب إقليمي بالرعاية الأميركية_صفقة القرن_ الخاصة بتصفية القضية الفلسطينية، فإن هذا الوقت يعني أن محاوري القاهرة، قد لا يجدون ما سيبحثون فيه بعد العام 2018.
لقد كان الأخ عزام الأحمد، الملم بكل تفاصيل ملف الانقسام، منذ أن كُلف بمتابعته، منذ بدايته وحتى الآن، كان واضحاً حين قال: إن الانقسام سينتهي كلياً بإجراء الانتخابات، وحيث إن الفصائل اتفقت أو توافقت أو حتى وافقت على منح ذلك الإجراء كل ذلك الوقت، أي حتى نهاية العام 2018، فذلك يعني بكل وضوح، أن إنهاء الانقسام مؤجل حتى العام 2019، أي حتى إجراء الانتخابات المتزامنة وظهور نتائجها.
وإذا ما أضفنا احتمال ألا يتم إنجاز تلك المهمة مع نهاية العام 2018، لأكثر من سبب، منها تعثر التنفيذ الميداني للمصالحة وتمكين الحكومة، كذلك، المستجدات الداخلية والإقليمية والعقبات الإسرائيلية، التي من المتوقع جداً، أن تفعل كل شيء من أجل تعكير الصفو الفلسطيني الداخلي، فإن عدم التفاؤل يصبح سيد الموقف والتقدير.
أما ماذا ستفعل الفصائل حتى نهاية العام 2018، فلا أحد يدري، بل إن حوار القاهرة الفصائلي، لم يتحدث عن حوار آخر، وانحصر الأمر بمتابعة مصرية بإرسال وفد لغزة لمتابعة تمكين الحكومة!
أسئلة عديدة تنشأ مع هذه النتيجة المخيبة لحوار جماعي، شارك فيه الكل الوطني، منها أنه لماذا تم ربط انتخابات الرئاسة والتشريعي، بل وتأكيد تزامنها مع المجلس الوطني، والكل يعلم أن إعادة الحياة للمجلس الوطني تكاد تكون شبه مستحيلة، وأن جمع نحو سبعمائة عضو مجلس وطني من كل أرجاء الدنيا، وبعضهم توفي ومعظمهم في «أرذل العمر» أو بلغ من العمر عتياً، أمر في غاية الصعوبة، اللهم، إلا إذا كان الواقع الحالي يرضي الكل الفصائلي، وفي المقدمة «فتح» و»حماس».
لم تتم الإشارة أيضاً لتفعيل المجلس التشريعي، حتى لا تنشأ حالة تطالب بتجديده، أو تنامي المطالبة بإجراء الاستحقاق الشعبي بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي هي حق شعبي، مختلف عن استحقاق عقد الوطني باعتباره استحقاقاً سياسياً بالدرجة الأولى، أي إذا كان الهدف من عقد المجلس الوطني، هو تحقيق الوحدة السياسية بدخول «حماس» والجهاد لـ «م.ت.ف»، فان الانتخابات الرئاسية والتشريعية حق مدني/سياسي لمواطني دولة فلسطين المحتلة.
لا يمكن القول بأكثر من: إن حوار القاهرة كان بمثابة سياحة سياسية لوفود الفصائل، التي مضى عليها وقت لم يلتق خلاله أفرادها بعضهم ببعض، بل إن بعضهم، قد طاله الحصار في غزة، ولم يخرج منها منذ زمن، لذا فإن الذهاب لمتوالية حوارية، ربما يكون قد داعب مخلية البعض باللاوعي واللاشعور، ودون أن يعي أو يدري.
في الحقيقة وباختصار يمكن القول: إن ما حدث في القاهرة، يكشف إلى حد بعيد، عن أن القيادة الجماعية للشعب الفلسطيني، هي أقل بكثير من طموحات الشعب الفلسطيني، بل ومن طاقته، ومن طموح شبابه، وإنها بهذا الأداء الباهت ترسل رسالة مشفرة، للجيل الشاب، وللأجيال القادمة، مفادها بأن عمرها السياسي/الافتراضي قد انتهى، وأنه آن أوان التغيير الداخلي، الذي يجب أن يطال البرنامج السياسي وكل أدوات تنفيذه، بعد إعداده، وأنه آن أوان الانتفاض الشعبي الداخلي؛ لأنه بسيف من خشب، لا يمكن لشعب مكافح أن يقاتل ظل الاحتلال أو طيفه، فضلاً عن أن ينتصر عليه!