بقلم : رجب أبو سرية
استبق الشيخ إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس فجر أمس الخميس، المؤتمر الصحافي الذي تقرر أن ينعقد في مبنى المخابرات المصرية العامة بالقاهرة، ظهر اليوم نفسه، ليعلن بنفسه عن نجاح الحوار الثنائي بين حركتي فتح وحماس في إغلاق ملفي المعابر والموظفين، والاتفاق على عقد المؤتمر الفصائلي قبل نهاية الشهر الجاري، بما يعني بأن مسار المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام الداخلي يسير كما يجب وفي الاتجاه الصحيح، وبثقة إلى تحقيق غايته النهائية.
وقد جاء هذا الانجاز، بعد مضي أقل من شهر، على أول خطوة حاسمة، أحيت جهود إنهاء الانقسام، حين أقدمت حركة حماس بعد حوار وتفاهم مع دائرة المخابرات العامة المصرية، على إعلان حل لجنتها الإدارية التي كانت بمثابة حكومة ظل في قطاع غزة، يمكن القول_الآن_ بأننا قد تجاوزنا مربع التخمين، حول إن كانت جهود إنهاء الانقسام، هذه المرة جدية أم لا، أو أنها ستنجح في وضع حد للانقسام الداخلي، السياسي والجغرافي المستمر منذ عشر سنوات أم لا، وقد بتنا أمام أسئلة من نوع آخر، الهدف منها محاولة رسم صورة لما سيكون عليه نظام الشراكة السياسي، بعد اكتمال تنفيذ بنود إنهاء الانقسام، أو تنفيذ كل ما اتفق عليه بشأن الملفات الخمسة، التي تطرقت لها اتفاقية القاهرة الموقعة من قبل فصائل العمل الوطني والإسلامي بما فيها حركتا "فتح" و"حماس" بالقاهرة عام 2011 .
خلال أقل من شهر، عقدت الحكومة اجتماعها في مدينة غزة، حيث تسلم كل وزراء الحكومة مقرات وملفات وزاراتهم في القطاع، بما اعتبرته "حماس" تمكينا للحكومة، بعد أن سهّلت وصول كامل أعضائها وعشرات الإعلاميين والمسؤولين بمن فيهم الأمنيون، الذين قدموا من رام الله، ووفرت الأمن اللازم للاجتماع الحكومي، فيما جرى تنفيذ الخطوة التالية، المتمثلة بلقاء وفدي حماس وفتح بالرعاية المصرية، لتقييم مدى تمكين حكومة الوفاق الوطني في غزة، كذلك للاتفاق حول خارطة طريق لتنفيذ اتفاق القاهرة 2011، قبل الذهاب إلى الحوار الوطني، الذي سيحدد مواعيد الخطوات التالية، وبالتحديد إجراء الانتخابات العامة.
بتحقيق الإنجاز المعلن والمشار إليه أعلاه، يكون وفدا الحركتين قد حققا تقدماً حاسماً ومهماً، في ظل إعلانات ثنائية على حرص كل من "فتح" و"حماس" على إنجاح كل مراحل الحوار، وصولا للنهاية المرجوة، وفي ملفي موظفي "حماس" بغزة، والمعابر، اتفقت الحركتان تماماً، خلال الحوار الثنائي الذي استغرق ثلاثة أيام (الثلاثاء، الأربعاء، والخميس) تماما كما كان مقرراً، أما بخصوص الملف الشائك، وهو ملف سلاح المقاومة، فبعد تصريحات بدت متضادة من أعلى مراتب الحركتين التنظيمية، سرعان ما تم احتواء الأمر، ومنعه من أن يتحول إلى صاعق يفجر المسار كله، حيث أُعلن _تسريباً_عن تشكيل مجلس أعلى للسلم والحرب.
يبدو أن هذا المجلس سيعتبر مماثلاً للكابينت الإسرائيلي أو مجلس الأمن القومي، فبعد أن تفردت "حماس" منذ عام 1996 بقرار الحرب، ردا على تفرد "فتح" بقرار السلم، بعد عقد اتفاقات أوسلو ومعارضة معظم الفصائل لها عام 1993، جرى التوافق على مقابلة هذه بتلك، وبذلك يكون الطرفان قد توصلا لحل خلّاق، يكرس نظام الشراكة بشكل فعلي، ثم إن ذلك لا يعني في الوقت نفسه، نزع سلاح المقاومة فوراً، بل ربما يعني أن يكون فعل المقاومة ضمن الإستراتيجية الوطنية، كذلك يفصل بين الأمن الداخلي، الذي هو من صلاحية الحكومة ووزارة داخليتها، والأمن الخارجي، الذي يعتبر عادة في الدول من اختصاص قيادة الجيش، التي تتولى قيادتها هيئة أركان أو مجلس عسكري أعلى، عادة ما يكون الرئيس هو القائد الأعلى للجيش، في حين يكون وزير الدفاع هو القائد العام له.
المهم أن حوار القاهرة الثنائي كان جاداً ومثمراً ومكملاً لما سبقه، وهو قد حدد أن المصالحة تشمل غزة والضفة الغربية، ولعل هذا ما أرادت أن تشير إليه "حماس" من خلال ترؤس الأخ صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي والذي هو من قيادة الحركة في الضفة الغربية للوفد الذي ضم يحيى السنوار، رئيس "حماس" بغزة، وبالنظر إلى أن اللقاء السابق كان وفد "حماس" فيه برئاسة هنية بعد أن كان أول حوار برئاسة السنوار، فان هذا يعني بأن كل مكونات "حماس" في غزة والضفة والخارج هي مع إنهاء الانقسام.
توافُق الحركتين بهذا الشكل يعني بأنهما في الخطوة التالية، وهي الحوار ضمن كل فصائل العمل الوطني والإسلامي التي وقعت اتفاق القاهرة 2011، لن تلجأ كل واحدة للاستقواء بالفصائل التي هي اقرب لها، لتعزز موقفها، بل إنهما ستدخلان إلى الحوار، وهما متفقتان وليستا مختلفتين، بما يعني بأن نظام الشراكة الذي سيقام في نهاية هذا المسار سيكون نظام شراكة ثنائياً أكثر منه نظام شراكة جماعياً، كما كنا نرجح أو نفضل.
وفي الحوار الوطني سيتم على الأرجح الاتفاق على أجندة محددة المواعيد والتوقيتات لإجراء الانتخابات العامة، الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني، كذلك تشكيل حكومة وحدة وطنية، ستواجه على الأغلب الصلف الإسرائيلي الذي سيطالبها بالاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف والالتزام بالاتفاقيات الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
من السهل جداً الرد على إسرائيل بمطالبتها بالمثل، أي أن يعترف "البيت اليهودي" و"إسرائيل بيتنا" بالاتفاقيات ونبذ الاحتلال، والاعتراف برسائل الاعتراف المتبادل، أي بدولة فلسطين مقابل الاعتراف بدولة إسرائيل من جانب حكومة الوحدة الفلسطينية.
المهم انه يمكن القول إنه قد تم قطع نصف الطريق إلى الآن، ليس ارتباطاً بمسار إنهاء الانقسام وحسب، ولكن بالنظر إلى أن الحوارات ترتب شراكة "حماس" و"فتح" في النظام السياسي، في حين يبقى النصف الآخر هو الخاص بالشعب وحقوقه، كذلك الفصائل الأخرى وبحقها في شراكة سياسية فعالة وإيجابية وليس كملحق سياسي أو تنظيمي بالحركتين .