بقلم : رجب أبو سرية
بعد ساعات قليلة من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران، كانت الطائرات الحربية الإسرائيلية تشن واحدة من عملياتها الجوية التي قامت بتنفيذها في العقود الأخيرة، حسب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، والتي استهدفت عشرات المواقع والأهداف التابعة لفيلق القدس الإيراني المقيم في سورية.
وقد جاء ذلك في أعقاب اتهام إسرائيل للقوات الإيرانية المتواجدة على أرض سورية، بإطلاقها عشرات الصواريخ على الخط الأمامي للقوات الإسرائيلية في الجولان السوري المحتل، قبل ذلك بساعات، رغم أن إسرائيل أعلنت عقب الغارة الجوية أن جولة القتال قد انتهت عند تلك الحدود، إلا أن ذلك لا يعني إلا شيئاً واحداً، وهو أن الحرب العسكرية ضد إيران قد بدأت فعلياً، وما كان إعلان ترامب المذكور سوى رفع للغطاء، ولم يكن سوى إشارة لإسرائيل بأنه يمكنها أن تبدأ عملياتها العسكرية التي لن تكون إلا ككرة النار التي تتدحرج حتى تشعل المنطقة بأسرها مجدداً.
رئيس الكنيست الإسرائيلي يولي أدلشتاين عقّب على الغارة الإسرائيلية بالقول: إن قواعد اللعبة قد تغيرت، بما يعني أن الحرب من تحت الطاولة تحولت إلى مواجهة عسكرية مكشوفة وواضحة.
الأمر لم يقف عند حدود الرد العسكري الإسرائيلي، فوفقاً لموقع «واللاه» العبري، كان وزير الخارجية الأميركي الجديد مايك بومبيو قد حذر إيران من أنه إذا تعرضت إسرائيل لهجوم إيراني فإن الولايات المتحدة ستتدخل وترد.
من الواضح أن «حالة التطابق» السياسي غير المسبوقة بين إدارة ترامب وحكومة اليمين الإسرائيلي، والتي ظهرت في الملف الفلسطيني، حين أعلن ترامب اعترافه بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، بهدف دفع السياسة الاحتلالية الإسرائيلية قدماً، وتغطية عمليات التهويد والقمع الميداني، تتكرر الآن في سورية بمواجهة الوجود الإيراني، فحتى يفتح ترامب الأبواب لإسرائيل لتشن الحرب على إيران، أعلن الانسحاب من الاتفاق النووي، حتى تظهر إيران كدولة خارجة عن الطوع، أو كدولة متمردة تفعل عملاً _ أي متابعة التخصيب النووي_ دون موافقة المجتمع الدولي، ما يجعل من العدوان العسكري الإسرائيلي أمراً مقبولاً!
يبدو أن الحرب بين إسرائيل وإيران دخلت حالة من الحرب المباشرة، بعد أن كانت الطائرات والقذائف الإسرائيلية تستهدف إما مواقع لـ»حزب الله» أو قواعد جوية تابعة للنظام السوري، لكن بعد أن أعلنت واشنطن وقف العمل بالاتفاق النووي، صار بمقدور إسرائيل أن تستهدف المواقع الإيرانية في سورية بشكل مباشر ومعلن، ورغم الإعلان أن هذه الجولة من القتال قد انتهت، لكن أمر استمرارها من عدمه مرهون بالرد الإيراني، كذلك فإن تطور المواجهة العسكرية بين الطرفين، وفي سورية بالتحديد حيث تعتبر الساحة السورية ميداناً متاحاً وأسهل لاستهداف إيران في بلادها، يظل مرهوناً ليس فقط بتطور الحالة بينهما، والتي من المستبعد أن تدخل منعرج التهدئة، نظراً إلى أن إسرائيل ومنذ سنوات تضغط على الولايات المتحدة لشن الحرب على إيران لنزع احتمال امتلاكها ولو بعد سنوات القنبلة النووية، لكن أيضاً ذلك رهن بتواجد القوى الإقليمية على الأرض السورية.
وبعد أنه كان إضعاف سورية، التي هي حليف لإيران، من خلال الدعم عبر الحلفاء لقوات المعارضة، حيث كانت إسرائيل تظهر بمظهر محايد، وبعد دحر «داعش» وحتى معظم القوى الأخرى، بحيث قويت شوكة النظام بعد أن تعذر سقوطه، وحيث تعزز الوجود السياسي والعسكري الإيراني عبر قواتها الصريحة أو عبر «حزب الله»، فإن إسرائيل وحتى أميركا لم تجدا بداً من التدخل العسكري مباشرة.
وقد سبقت أميركا إسرائيل حين تدخلت في شمال شرقي سورية مع ما سمي بقوات سورية الديمقراطية، لكن لأن ذلك التدخل كان ضعيفاً، وما كان بمقدوره أن يزاحم كلاً من القوات الكردية والقوات التركية على تلك المنطقة، فإن إسرائيل وجدت نفسها في مواجهة مع إيران لفرض السيطرة على الجنوب السوري.
ومن حسن حظ سورية أن العاصمة «دمشق» تقع على مقربة من الجنوب، وحيث إن الحرب الطاحنة كانت حول العاصمة، فإنه ليس صدفة أن تطلق إسرائيل النار على القوات الإيرانية التي تعتقد بأنها هي الدرع الحامي للنظام والذي يبقيه في العاصمة، بعد إخراج القوات المناوئة للنظام من مخيم اليرموك، آخر معاقل الوجود العسكري المناوئ للنظام في كل الجنوب السوري. أي أن إسرائيل تسعى لضرب عصفورين بحجر واحد، ونقصد بذلك فتح باب الحرب على إيران وفرض سيطرتها الأمنية على الجنوب السوري. وربما حرصها على أن تخبر كلاً من روسيا وأميركا بشن الغارات ما هو إلا محاولة حتى لتجنب المعارضة الروسية للضربة، حيث إن روسيا تهيمن على وسط وغرب سورية، فيما تنظر للوجود العسكري الإيراني منافساً لها على «وضع النظام» في الجيب الروسي بدلاً من الجيب الإيراني. أي أن إسرائيل تعرف كيف تدخل من بين الشقوق، وتعرف كيف تصنع التوافق في المواقف المحددة مع الآخرين.
أما تسخين الجبهة بينها وبين إيران فمن شأنه أن يقرب الرياض من تل أبيب، لذا فإن فتح الجبهة ميدانياً، ربما مع تتابع فصول الحرب يدفع أطرافاً عديدة للدخول فيها، لتتحول إلى حرب إقليمية متعددة الأطراف كما كان حال الحروب الإقليمية السابقة من حرب الخليج الأولى إلى الثالثة، وبذلك ينشأ التحالف الأمني ضد إيران ميدانياً، ويتم إعلان صفقة القرن على الأرض، وبعد أن تنتهي الحرب يتم تقسيم المنطقة بين حلفاء القرن الحادي والعشرين!
المصدر : جريدة الأيام