بقلم : رجب أبو سرية
أنا شخصياً موقن تماماً بأن مآل "دولة إسرائيل" إلى الزوال، ولن يكون الأمر بعيداً جداً، أي لن يحتاج إلى مئات السنين، بل ربما إلى بضع سنين فقط، فهي دولة بلا أساس اجتماعي ولا قانوني ولا أخلاقي، ولا تنتمي للمنطقة، فكل شعوب الشرق الأوسط تلفظها كما تلفظ المرض، وهي أقيمت بفعل استعماري، ونشأت في ظل الحرب الباردة، ثم ما زالت تستند إلى قوة السطوة الإمبريالية الأميركية على النظام العالمي المتمثل في الأمم المتحدة، وبأي لحظة ترفع عنها أميركا يدها لسبب أو آخر، تسقط مثل ثمرة جافة.
سبعون عاماً مضت، ورغم أن الحرب الباردة انتهت لصالح أميركا والغرب، إلا أن إسرائيل، ورغم أنها كانت قد حققت اختراقاً مهماً قبل نهاية الحرب الباردة، تمثل بخروج مصر الرسمية باتفاقيات كامب ديفيد من دائرة الصراع الإقليمي معها، حيث انحصر الصراع بعد ذلك بينها وبين الشعب الفلسطيني فقط، لكن بقي المحيط العربي/الإسلامي يلفظها، بما فيه الشعب المصري والأردني وكل الشعوب العربية والإسلامية.
ولم تنجح إسرائيل خلال سبعين عاماً في أن تتحول إلى دولة طبيعية حتى في نظر دول العالم البعيدة، التي هي على درجة من الاستقلالية عن التبعية لواشنطن، ولأن العالم اليوم يتداخل بشكل أكبر، كما أن الدولة القومية فيه تتآكل بحدودها، التي أصبحت مفتوحة على العالم الخارجي تماماً، فإن إصرار إسرائيل على الانغلاق، وعلى استمرار الاعتماد على القوة العسكرية وعلى منطق القهر، خاصة في ملف الاحتلال، وفي إنكار الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، يعني أنها ذاهبة إلى حتفها لا محالة.
هواجس وعقد الماضي القريب، الناجمة عما حدث خلال الحرب العالمية الثانية، ما زالت ماثلة في نفوس الكثير من مواطني الدولة المقامة بفعل قرار حكومي استعماري، ورغم أن ويلات تلك الحرب لم تقتصر على يهود أوروبا فقط، بل شملت شعوب أوروبا الشرقية خاصة، ويكفي هنا أن نشير إلى أن دول الاتحاد السوفياتي السابقة قد خسرت نحو عشرين مليون ضحية خلال الحرب، كان من نصيب مدينة واحدة هي ستالينغراد (فولغوغراد اليوم) 2 مليون، لكن الغرب الاستعماري بإعلان بلفور ومن ثم رعاية الدولة الاستعمارية_بريطانيا_ صاحبة الوعد المشؤوم، بعد ذلك بثلاثة عقود، قام باستغلال المحرقة من أجل إقامة القاعدة المتقدمة للاستعمار في الشرق الأوسط للحفاظ على سيطرته على قناة السويس ومنابع النفط في الشرق الأوسط.
المهم أنه في سياق الترويج لحماية تلك الدولة/الاستيطانية الاستعمارية المصطنعة، ظل قادة الاحتلال الإسرائيلي ومعهم حماتهم الغربيون يتحدثون عن الأمن الوجودي لإسرائيل، وظنوا أن حماية وجود إسرائيل، لا يكون إلا عبر تدجيجها بكل أنواع السلاح، أي من خلال الاستمرار في فرضها على الشعب الفلسطيني وعموم المنطقة بالقوة، ولم يفكروا ولو للحظة في أن هناك ممراً آخر، يمكن من خلاله الإبقاء على الوجود الآمن لسكانها بين المحيط البشري في المنطقة.
لأول مرة يخرج صوت من إسرائيل وعبر مسؤول سابق شغل منصب رئيس الحكومة ووزير الدفاع، هو أيهود باراك ليقول: إن التهديد الوجودي على إسرائيل ليس خارجياً، بل هو تهديد داخلي، وذلك خلال حفل أقيم، الثلاثاء الماضي، في متحف إسرائيل بتل أبيب، وكما هو معروف فإن قادة إسرائيل مثلهم مثل الرؤساء والمسؤولين الأميركيين، حين يغادرون مواقع الخدمة العامة يتحدثون دون تحفظ، وبالمنطق السديد وفق المنهج العلمي، أما حين يكونون في مواقع المسؤولية فإن أصوات الناخبين تضع الكلام على ألسنتهم، وهذا ما يمكن قوله إزاء ما أعلنه باراك قبل يومين.
بتقديمه ملامح الصورة العامة لإسرائيل خلال العام 2018، رسم باراك صورة قاتمة لدولة الكيان الصهيوني، قائلاً: إن النتيجة الحتمية هي اندثار إسرائيل وتحولها إلى دولة ذات أكثرية من المسلمين، وذلك بسبب سياسة حكومة بنيامين نتنياهو التي وصفها بالحكومة القومية المظلمة التي تقود البلاد للانضمام إلى بؤر القومية والظلام الأوروبية. وأعاد باراك كل ذلك إلى طموح نتنياهو واليمين المتطرف إلى الدولة الواحدة من البحر إلى النهر وإفشال حل الدولتين.
باراك نفسه الذي يتحدث اليوم بمنطق عالم وحكيم ومنهجي، كان الوحيد من حزب العمل، الذي صوت ضد اتفاقيات أوسلو في الكنيست، وهو نفسه الذي قاد عام 2000 العلاقة الفلسطينية/الإسرائيلية إلى المواجهة الدامية فيما سمي بالانتفاضة الثانية حين كان رئيساً للحكومة، تحت ضغط أريئيل شارون الذي كان بدوره يسعى لاقتناص مقعد رئيس الحكومة من باراك بالذات، الأمر الذي حصل بعد ذلك بعام واحد فقط.
المهم الآن، هو أن طريق السياسة الإسرائيلية باتت واضحة تماماً، فبعد إعلان ترامب الخاص بالقدس، وبعد إغلاق باب المفاوضات، فإن إقرار ما يسمى قانون القومية في الكنيست، يعني أن الخطوة التالية هي "ضم الضفة الغربية" دون الخوف مما يحذر منه باراك، أي دون منح سكان الضفة المواطنة الإسرائيلية، أي أن إسرائيل قد اختارت طريق الفصل العنصري "الأبارتهايد"، والذي هو أوهى من خيوط العنكبوت، حيث لن يكون بمقدوره أن يحمي "إسرائيل" من التهديد الوجودي الداخلي، كما أشار أيهود باراك.
من الواضح أن الظروف الإقليمية والدولية قد أعمت عيون الإسرائيليين جميعاً، حيث إنهم ظنوا أن العالم قد رسا على هذه الحال من الفوضى والقهر وانعدام المساواة بين البشر، وأن النظام العالمي المتوّج برجل غريب الأطوار اسمه دونالد ترامب، سيظل هكذا إلى الأبد، ما دفع إسرائيل لأن تتأبط شراً بقانون القومية، ولهذا فقد بات بمقدورنا أن نقول: إن الوقت الذي سنقول فيه على "إسرائيل السلام" قد بات وشيكاً.
المصدر : جريدة الأيام