بقلم : رجب أبو سرية
على عكس ما توقع اليسار الفلسطيني بعد توقيع اتفاقيات أوسلو قبل عقدين ونصف العقد من الآن، أطاح "السلام" باليسار رغم أن تحريض اليمين كان/ أدى إلى إقدام متطرف يهودي/إسرائيلي على اغتيال اسحق رابين، لكن ذلك لم يشفع لشمعون بيريس الذي قام بتبكير موعد الانتخابات العامة محاولا استغلال التعاطف الشعبي مع حزبه للفوز بأول انتخابات تجري لاختيار رئيس الحكومة مباشرة، للفوز بالمنصب الأول، الذي فاز به ليكودي مغمور في ذلك الوقت، كان هو بنيامين نتنياهو.
وكما كانت الانتفاضة العام 1987، سببا في سقوط اليمين الإسرائيلي من سدة الحكم بعد عشر سنوات أمضاها متربعا على العرش، كان السلام الذي دشنه اليسار سببا في مغادرته المبكرة لمقعد رئاسة الحكومة بعد أقل من أربع سنوات، وبعد أول تنفيذ لاتفاق أوسلو تمثل في إنشاء أول سلطة وطنية فلسطينية على الأرض الفلسطينية.
من الواضح أن أحد أهم الأسباب التي ساهمت في تربع اليمين الإسرائيلي على الحكم منذ العام 1995 وحتى الآن، باستثناء نحو عامين فقط ترأس فيها إيهود باراك الحكومة ما بين عامي 1999، 2001 هو حالة "الهدوء" على الجبهات المحيطة بإسرائيل بما في ذلك الجبهة اللبنانية حيث كان باراك نفسه قد انسحب من جنوب لبنان في العام 2000.
وهكذا ومع مرور الوقت ومع التحولات الإقليمية التي جاءت لصالح إسرائيل في المنطقة العربية، ترسخ حكم اليمين الإسرائيلي وتعمق بل وتحول إلى يمين متطرف حيث بات المستوطنون ممثلين بحزب البيت اليهودي شركاء أساسيين في حكومات نتنياهو اللاحقة.
لكن ولأن لكل شيء نهاية، فان إغلاق ملف السلام بين إسرائيل وفلسطين، منذ العام 2014، خلق مجدداً التوتر بين الجانبين، ومع دخول الملف السوري في حالة من التحول التي كانت أحد أسباب إغلاق ملف ما سمي الربيع العربي، خاصة بعد دخول روسيا قبل ثلاث سنوات ميدان المواجهة في سورية، يمكن القول إن إسرائيل تحقق منذ سنوات اختراقات على الجبهة العربية باستثناء سورية، حيث وقف الوجود الروسي بالذات في وجهها، ليضح حداً لمخططاتها التي حاولت احتواء إيران أيضاً.
وبمناسبة مرور ثلاث سنوات على التدخل العسكري الروسي في سورية، أعلنت روسيا أن نتيجة هذا التدخل كانت مصرع نحو مئة ألف إرهابي، مقابل نحو مقتل نحو مئة عسكري روسي فقط، حيث يمكن هنا تذكر على نحو خاص مصرع طاقم طائرة السوخوي الروسية على يد المضادات التركية قبل سنتين، بما ساهم في فرض تحول في الموقف السياسي التركي لصالح روسيا، كذلك مصرع طاقم أيل 20 المكون من أربعة عشر عسكرياً.
وكما توقعنا في مقال سابق فإن إسرائيل قد "دفعت ثمن" تسببها في إسقاط الطائرة الروسية فوق قاعدة حميميم قرب اللاذقية قبل نحو أسبوعين، حيث سارعت روسيا إلى نشر منظومة صواريخ أس 300، مستغلة تلك الواقعة، والتي كان نشرها في وقت سابق، أي دون تلك الواقعة سيتسبب في معارضة إسرائيلية قوية.
روسيا التي تحسن استخدام الحنكة السياسية مع الحزم العسكري، تتقدم بوجودها القوي في المنطقة مقابل التراجع الأميركي الذي بات في عهد دونالد ترامب يعتمد على استخدام ما يمكن وصفه بالعنف الاقتصادي والذي يمكن أن يؤدي إلى حروب إقليمية وحتى كونية، كما يفعل الآن حيث أرجعت روسيا ارتفاع أسعار النفط مؤخرا للولايات المتحدة.
كما لا تنطلي محاولات إسرائيل استمالة روسيا وتقدير تنامي نفوذها ووجودها في المنطقة، لكن الأرض بدأت تنزلق من تحت أقدامها رغم كل هذا الانحياز لها من قبل إدارة ترامب، التي زادت من حدة التوتر على الجبهة الفلسطينية/الإسرائيلية، ذلك أن الحراك الشعبي في أوساط الفلسطينيين من مواطني إسرائيل ضد قانون الجنسية العنصري، المترافق مع الحراك الغزي على جانب الحدود وقرب الأسلاك الشائكة، ثم بدء تحرك المارد الشعبي في الضفة الغربية والقدس، بمناسبة القرار الإسرائيلي بهدم الخان الأحمر، مع الهجوم السياسي الرسمي والذي بدأ يفرض الانسحاب على كل من إسرائيل والولايات المتحدة من أكثر من منظمة دولية، كله ينذر باندلاع مواجهة فلسطينية/إسرائيلية عارمة وشاملة للكل الشعبي والوطني الفلسطيني.
أما إسرائيل الجريحة الآن بعد "الكف الروسي" الذي جاء رده سريعا وصاعقا بعد إسقاط الطائرة الروسية، فهي تفكر الآن بالتعويض في مكان آخر، وبعد أن كانت تفكر في الاستمرار بإضعاف النظام السوري بعد تحقيق الانتصارات العسكرية على الأرض، من خلال الادعاء بأنها تستهدف الوجود العسكري الإيراني في غير مكان بسورية، ها هي تدير الدفة للقول بوجود قواعد عسكرية وصواريخ في محيط مطار رفيق الحريري ببيروت.
هذه الادعاءات التي أطلقها بنيامين نتنياهو شخصيا رد عليها وزير الإعلام اللبناني، بالقول إنها تمثل تهديدات جادة، فيما كان وزير الخارجية يدعو لعقد اجتماع لمجلس الدفاع الأعلى، وكأن إسرائيل بدأت تفكر في مواجهة إيران وحزب الله في لبنان بدلاً من سورية، بعد أن أظهرت روسيا لها العين الحمراء، وقالت لها إن سورية باتت خطا روسيا أحمر.
قليل من الدعم السياسي الفلسطيني للدور الروسي في ملف الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي، خاصة بعد أن أظهرت أوروبا وفرنسا منها بالتحديد عدم قدرتها على ملء الفراغ، يمكنه أن يزيد من الضغط على إسرائيل، فيما اندلاع انتفاضة فلسطينية شاملة في كل من القدس والضفة الغربية ومناطق الـ 48 وقطاع غزة، مع إغلاق جرح الانقسام، يمكنه أن يطيح بعرش اليمين الإسرائيلي، حيث مع أول فشل إسرائيلي في وقف حراك مسيرة العودة على حدود غزة، بدأت شقة الخلاف في الاتساع بين أفيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت، وهذا أول الغيث، وأول الغيث قطرة.