بقلم : رجب أبو سرية
في مجلس الأمن حصلت إسرائيل على نتيجة الفشل مرتين خلال الأسبوع المنصرم، وذلك بعد أن فشلت في الترشح للعضوية غير الدائمة في المجلس التي تتقدم لها الدول تباعا، بتدوير وفق نظام معين يغطي القارات الخمس في العالم، وكذلك حين فشلت في إصدار بيان عبر الولايات المتحدة، يدين الملاحظات التي أبداها الرئيس محمود عباس في خطابه بالمجلس الوطني.
ومعروف أن «مجلس الأمن» إنما هو مجلس النخبة الكونية، حيث تتحكم خمس دول بقرارات أعلى هيئة في المنظمة الدولية «الأمم المتحدة» وهي الدول دائمة العضوية في المجلس من جهة، ومن جهة ثانية الدول التي تتمتع بحق النقض»الفيتو»، حيث يمكنها باستخدام ذلك الحق أن تحبط أي قرار من أي بند للمجلس، وفي هذا المجلس تجد إسرائيل عادة «بيتها الدافئ» خاصة أيام الحرب الباردة، حيث كانت كل من الصين والاتحاد السوفياتي السابق»روسيا لاحقا» إلى جانب حركات التحرر والشعوب في العالم، فيما كانت كل من الولايات المتحدة، بريطانيا وفرنسا، في الجانب الآخر، الذي يحمي مصالح الغرب الرأسمالي والاستعماري، ومن ضمن محمياته كانت إسرائيل.
أما في الجمعية العامة فالأمر مختلف، حيث تبدو الجمعية العامة كما لو كانت برلمان العالم، مقابل مجلس الأمن الذي يبدو كما لو كان حكومة العالم، ولأن إسرائيل «دولة احتلال» مفضوحة تماما، فإن مئات القرارات اتخذت بحقها في الجمعية العامة، لكنها غير ملزمة، كذلك اتخذت ضدها عشرات القرارات في مجلس الأمن، لكنها كلها كانت تحت البند السادس، ولم يتخذ بحقها بسبب انحياز الولايات المتحدة الكامل والتام لها، أي قرار تحت البند السابع الذي يفرض تنفيذ قرارات المجلس بالقوة.
صحيح أن نفوذ العضوية الدائمة التي تتمتع بحق النقض الفيتو غير محدود لكن العضوية غير الدائمة مهمة أيضا، لجهة طرح مشاريع القرارات، حيث أن مشروع كل قرار إجرائي حتى يطرح للتصويت يجب أن يحصل على موافقة تسعة من أصل الخمسة عشر صوتا. ونظام تدوير العضوية غير الدائمة، يعتمد تخصيص المقاعد بين القارات، ومدة العضوية غير الدائمة هي سنتان، يتم كل عام انتخاب خمسة أعضاء غير دائمين.
هذا العام كانت نية إسرائيل أن تتقدم للعضوية غير الدائمة، وهي على ما يبدو ترى أن العامين القادمين مهمان فيما يخص ترتيبات الشرق الأوسط، لكنها اصطدمت بترشح كل من ألمانيا وبلجيكا عن قارة أوروبا، ومعروف بأن إسرائيل، ورغم وجودها في آسيا جغرافيا، لكن لأن الشرق الأوسط ومعظم دول آسيا تلفظها، فهي حتى في الاتحاد الدولي لكرة القدم تتبع أوروبا، وحين وجدت أن ألمانيا وبلجيكا ليستا على استعداد للتنازل لها عن العضوية غير الدائمة، اضطرت للانسحاب من الترشح للمنصب.
أما ما يخص مشروع البيان الذي تقدمت به مندوبة الولايات المتحدة، فهو يدل على صفاقة ليس لها حدود تتسم بها إدارة دونالد ترامب الأميركية إن كان في البيت الأبيض أو في الخارجية، فرغم أن حديث الرئيس عباس كان حديثا أكاديميا وتاريخيا وليس انفعاليا أو وجهة نظر، وكان سردا لأقوال أكاديميين وباحثين يهود أصلا، ورغم تقديمه حسب البروتوكول بين الدول الاعتذار، إلا أن واشنطن التي باتت أشبه بالدمية التي تحركها أصابع الحكومة الإسرائيلية، آثرت أن تذهب لمجلس الأمن لإصدار بيان يدين تلك الأقوال.
والبيان يعبر عن موقف، وهو غير القرار الإجرائي، لذا فمن سوء حظ تل أبيب وواشنطن كان يحتاج لإجماع أعضاء المجلس، حيث اعترضت دولة الكويت الشقيقة، ورغم أن مشروع البيان أو مسودته لم يمر، إلا أن مجرد التفكير به وطرحه على «حكومة العالم» يكشف مستوى الصفاقة التي تتصف بها اكبر وأقوى دولة في العالم، تقوده حاليا إلى هاوية المواجهة والدمار، ما لم تحتج وتثُر شعوب العالم من أجل تعديل ميزان العدالة الدولية.
لا تسمع أميركا مطلقا أصوات الرصاص والطائرات والقذائف الإسرائيلية ولا ترى قناصة الاحتلال وهم يطلقون النار على المتظاهرين العزل الفلسطينيين ولا تسمع أقوال اليمين المتطرف النافية للوجود الفلسطيني الذي هو أقدم وأحق من وجود إسرائيل، ولا ترى بطش الاحتلال وهو يعتقل الأطفال ويقتل عن عمد العشرات منهم، ولا تسمع ما يقوله الوزراء السفلة الجالسون على مقاعد الحكومة الإسرائيلية التي تمس الحقوق الفلسطينية الطبيعية وحتى الدين الإسلامي.
لكنها أميركا/ ترامب التي أصبحت مثل فيل يقوده كلب، أو مثل جمل يمسك لجامه عبد وضيع، يذهب به إلى حيث شاء، لم تعد ترى إلا من الزاوية الضيقة للرؤية، وإذا كانت مؤسسات الدولة والشعب الأميركيين يصمتان على هذا، فإن العالم كله بدوله وشعوبه، لا يمكنه أن يصمت طويلا، على بقاء أميركا تقود العالم وهي منقادة من قبل إسرائيل. لذا فان الإطاحة بقيادتها للعالم باتت وشيكة، وصار أمر إعادتها إلى ما وراء البحار وراء الباب.