بقلم: رجب أبو سرية
بعد أن كان قد تأجل موعد عقد القمة العربية التاسعة والعشرين، الذي كان مقرراً في الأسبوع الأخير من هذا الشهر، إلى شهر نيسان على الأغلب، وذلك بحجة إجراء انتخابات الرئاسة المصرية في التوقيت السنوي المعتاد للقمة. ولأن الرياض حيث ستنعقد القمة حريصة جدا على حضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي شخصياً، فقد ارتأت تأجيل القمة، جاء التسريب عن تأجيل طرح «صفقة القرن» التي قيل أيضا، بأن واشنطن تنوي طرحها خلال هذا الشهر، حتى تقف أمامها القمة، أو بعد القمة، لكن قبل منتصف أيار القادم، حيث تحل الذكرى السبعون للنكبة، والتي تنوي واشنطن ولمزيد من استفزاز الشعب الفلسطيني أن تكون موعداً لنقل سفارتها المشؤومة من تل أبيب إلى القدس.
منذ عدة سنوات، كان الحراك الشعبي الفلسطيني من أجل حق العودة قد نشط، خاصة في دول الجوار المحيطة بفلسطين، وبشكل خاص في لبنان والأردن، حيث يوجد في الأردن أكبر تجمع فلسطيني خارج حدود فلسطين التاريخية، وفي لبنان يوجد لاجئون فلسطينيون هم الأكثر معاناة من بين كل اللاجئين أينما هم مقيمون، نظراً لجملة القرارات المتخذة بحقهم والتي تحصر حرية حركتهم وقدرتهم على العمل على أرض لبنان في أضيق نطاق، ولبنان الطائفي، الذي بالكاد يحافظ على تماسكه الداخلي منذ عام 1943، وفق دستور يحدد حقوق الطوائف في النظام السياسي في السلطتين التشريعية والتنفيذية، حاصر اللاجئين الفلسطينيين كثيرا، خشية توطينهم وبالتالي الإخلال بالمعادلة الطائفية الداخلية، حيث معظم الفلسطينيين هم مسلمون من السنة.
وبخط تصاعدي، شكّل الحراك الشعبي الفلسطيني، في ظل ظهور الحراكات الشعبية العربية منذ عام 2011، مناسبة مهمة جدا، لإعادة الاعتبار لواحد من أهم ملفات القضية الفلسطينية، التي لم تجد حلها حتى بعد إقامة السلطة، والتي تم تأجيل البحث فيها ضمن ملفات الحل النهائي، التي انطوت مع توقف المفاوضات منذ عام 2014، وكان متوقعاً أن يستمر الخط التصاعدي، باحتشاد جموع اللاجئين الفلسطينيين، إن كان في جنوب لبنان على الحدود مع إسرائيل أو غرب الأردن، في الأغوار، لكن وبالنظر إلى عدم رضا النظام العربي عن مسيرات العودة، رغم أن كلا من لبنان والأردن، ينظر بعين القلق لخيار التوطين، فإن هذا العام هناك توتر بين لبنان وإسرائيل، على خلفية قيام لبنان بالتنقيب عن الغاز في مياهه الإقليمية، كذلك عدم ارتخاء حالة الشد بين الأردن وإسرائيل التي بدأت بحادثة السفارة، وما زالت على خلفية إجراءات إسرائيل تجاه القدس، كذلك إعلان ترامب تجاه المدينة التي للأردن ولاية دينية عليها، لذا من المتوقع أن يواجه حراك العودة من خارج حدود فلسطين، عقبات تحول دون أن يظهر بقوة .
التعويض يجيء هذا العام من داخل فلسطين التاريخية، حيث ورغم حالة الانقسام الداخلي، إلا أن الكل الفلسطيني الذي يمكنه أن يتوحد ميدانيا دائما وفي كل وقت، بدأ يتوحد بالتحضير لمليونية مسيرة العودة هذا العام.
والحشد المليوني يظهر في قطاع غزة، بحكم التحرر النسبي الداخلي، من حواجز الاحتلال الكابحة لحشودات المواجهة، وحيث بدأ العد التنازلي، فإن يوم الخامس عشر من أيار القادم، سيشهد مواجهة حقيقية ميدانية أولا بين جماهير الشعب الفلسطيني على حدود قطاع غزة، وداخل مدن الضفة الغربية، وربما مناطق الـ 48، ورسمية ثانياً، حيث أن نقل السفارة في ذلك اليوم سيكون حديث الإعلام العربي كله، بما سيجعل من المنطقة العربية كلها، وفي المنتصف منها أرض فلسطين، مرجلاً يغلي.
هذا ما لا تدركه إدارة البيت الأبيض الصفيقة، والغرّة في السياسة الدولية، والتي تبدو كما لو كانت دمية بيد الصهيونية العالمية، التي تمرر ما تريده عبر جاريد كوشنير، الذي دفع تدخله الفج بالسياسة الخارجية الأميركية وزير الخارجية ريكس تيلرسون، الذي بدا، خاصة فيما يخص إعلان القدس أكثر تعقلا من مجانين البيت الأبيض، إلى الاستقالة.
وإذا كانت مندوبة الولايات المتحدة نيكلي هايلي، العضو الآخر في جوقة الصفاقة السياسية الأميركية، من خارج البيت الأبيض، قد رأت ما تحت قدميها فقط، حين قالت إن السماء لم تنطبق على الأرض بعد الإعلان إياه، فإنها لا ترى بعينها الزجاجية، أو تلك المغطاة بالغشاء الصهيوني، المواجهات المستمرة منذ ذلك اليوم، خاصة أيام الجمع، كما أنها لا تدرك بأن ثورات الشعوب لا تحدث كرد فعل آني أو فوري على قرار، بل تحدث بالتراكم، لذا فإن البعض يستغرب حين يرى بأن حادثة ما، ربما كانت عرضية قد أطلقت شرارة الثورة، هنا يمكن التذكير بواقعة الدهس التي قام بها سائق الشاحنة الإسرائيلي في أسدود بحق سيارة كان يقلها عمال فلسطينيون كانت متوقفة في محطة وقود، والتي أطلقت انتفاضة العام 1987، أو إحراق محمد بوعزيزي لنفسه لإطلاق شرارة الربيع العربي في الوطن العربي بأسره.
المهم أن يوم الخامس عشر من أيار القادم سيكون يوما للمواجهة الشعبية الشاملة، التي أول ما ستحققه هو الوحدة السياسية الميدانية، حيث تجتمع كل الفصائل، والتي ستعيد ثانياً الاعتبار للعامل الشعبي في المواجهة، التي لن تقتصر بعد ذلك اليوم على المواجهة السياسية/الدبلوماسية التي يقوم بها رئيس السلطة والخارجية، وربما ثالثاً أن ذلك اليوم سيكون فاصلاً في برنامج الكفاح الوطني، حيث إن طي صفحة حل الدولتين لن يجبر الشعب الفلسطيني على الاختيار بين صفقة ترامب ومقترحات شكيد وحل الكانتونات، بل إن برنامج الكفاح الفلسطيني سيتضمن كل الحقوق الوطنية، بالدولة المستقلة، والقدس والعودة، وسيجمع كل تجمعات الشعب الفلسطيني، على برنامج متعدد النقاط، ليواجه الكل الفلسطيني في الداخل والخارج، أولا أميركا بإخراجها من رعاية الملف، وثانياً إسرائيل، ليس كدولة احتلال فقط، بل وكدولة تمارس التمييز العنصري داخل حدودها، ضد مواطنيها من العرب الفلسطينيين ومواطني دولة فلسطين الذين لهم حقوق مدنية وشخصية بالعودة والتعويض، واستعادة ما قامت بالسطو عليه وفق ما أسمته بقانون الغائبين!
المصدر : جريدة الأيام