بقلم: رجب أبو سرية
لا أحد يمكنه تجاهل الضائقة السياسية التي يمر بها الشعب والقضية وحتى القيادة السياسية الفلسطينية، والتي بلغت ذروتها منذ أكثر من ثلاثة أشهر، أي بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعترافه بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث إن الولايات المتحدة، التي كانت خلال العشرين سنة الماضية تبدو على قدر من التوازن الضروري لقيامها برعاية العملية السياسية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي منذ اتفاق إعلان المبادئ في حديقة البيت الأبيض عام 1993 حتى عام 2014، ظهرت من خلال إعلان ترامب شديدة الانحياز للجانب الإسرائيلي، بل وكما لو كانت تقاتل معه في معركة الاحتفاظ بمكتسبات حرب العام 1967، التي تمنع حصول الجانب الفلسطيني على الحد الأدنى من تطلعاته القومية، والحد الأدنى من حقوقه الوطنية.
تنظر حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية إلى ولاية ترامب كفرصة تاريخية من أجل تمرير الحل السياسي الذي كانت تحلم به بكل تفاصيله، من الظفر بالقدس وإخراج ملف اللاجئين من دائرة حق العودة، إلى عدم العودة لحدود العام 67، وهي تجد أن الموقف الأميركي المنحاز جداً لها سياسياً قد أغلق أبواب الضغط الدولي المتحملة إن كانت تلك التي كان يمكن أن تنفتح عليها من الاتحاد الأوروبي ومن ضمنه فرنسا، أو من قبل روسيا، وهي حتى تغلق الملف الفلسطيني وتضعه تحت إبطها ومن ثم تقوم بابتلاعه، تدفع الولايات المتحدة للتركيز على الشرق الأوسط، ومن أجل ذلك فإن ترامب يبتلع كلامه وحتى الإهانات التي يوجهها له كيم جونغ أون.
وتحاول إسرائيل أن تقنع واشنطن وحتى العرب بأن إغلاق الملف الفلسطيني كما تريد وترغب من شأنه أن يحقق لها الوقت والجهد للتفرغ لمعالجة إيران، آخر دول المنطقة التي تبدي تحدياً لكل من طرفي القهر والسطو الإقليمي والدولي، أي إسرائيل وأميركا.
إضافة للموقف الأميركي، فإن الحال الفلسطينية تواجه الضائقة بسبب الوضع الإقليمي؛ حيث معظم الدول العربية التي كانت داعمة للموقف الفلسطيني، إما انشغلت بأوضاعها الصعبة جداً الداخلية، مثل: العراق وسورية، أو بتوابع فتح المجتمعات العربية منذ العام 2011، مثل مصر التي ما زالت منشغلة بملف الأمن في سيناء وبمصاعبها الاقتصادية، أو حتى السعودية التي تواجه صعوبات اقتصادية ناجمة عن تدخلها في سورية واليمن، واستحقاق إعادة ترتيب مستقبل المملكة.
يضاف إلى كل ذلك أن الوضع الداخلي ما زال يعاني من الانقسام وتبعاته المتراكمة، بل التي وصلت إلى حدود كارثية مع مرور أحد عشر عاماً عليه، إن كانت تلك المتعلقة بحصار غزة ومشاكلها العديدة أو باستمرار الاحتلال ومشاكله، بتهويد القدس واستمرار الاستيطان في الضفة الغربية.
يضاف إلى كل ذلك أن الكفاح الفلسطيني الداخلي قد اقتصر إلى حد ما على الكفاح السياسي الدبلوماسي وتعلّق بشخص الرئيس محمود عباس، الذي أثقلت كاهله المسؤوليات الجسام، وقد تقدّم في العمر، ومعه مؤسسات حركة «فتح» و»م ت ف» التي هي بحاجة ماسة إلى التجديد والتطوير والتفعيل.
ما هو بيد الرئيس يقوم بفعله، لكنه قد لا يكفي، فقد تم عقد اجتماع المجلس الثوري، بشكل مختلف، حيث كان مغلقاً، وتضمن تحذيراً من قبل الرئيس، الذي بات يتوقع مصيراً مشابهاً لمصير الرئيس الراحل ياسر عرفات، حيث لا يتورع العدو عن القيام بكل ما هو خسيس ودنيء ليزيح العقبة الكأداء من طريق تحقيق أهدافه الخبيثة.
من بعد المجلس الثوري هناك تحضيرات لعقد دورة تاريخية للمجلس الوطني، لكنها لن تكون مكتملة بسبب عدم إنجاز الوحدة الداخلية ومشاركة الجميع، لذا فإن الهدف من عقد «الثوري» و»الوطني» _ بتقديرنا_ هو تحصين الموقف السياسي أولاً، فيما تطوير أدوات الكفاح يأتي ثانياً.
المهم هو ألا ينهار أولاً الوضع الداخلي، خاصة على الصعيد السياسي، وألا يفت الموقف الأميركي من عضد الشعب الفلسطيني وقيادته، فحتى نقل السفارة الأميركية فعلياً للقدس ليس آخر الدنيا، والهدف الرئيس منه إحباط الشعب الفلسطيني وفرض الاستسلام عليه، وإسرائيل قد اتخذت قرار ضم القدس منذ أكثر من ثلاثة عقود ونصف العقد، والتطور على الأرض أهم بكثير من المواقف الملعقة بالهواء، وفي العام 1948 ظنت إسرائيل أنها قد انتهت من الشعب الفلسطيني، وأن مشكلتها باتت ذات طابع حدودي مع دول الجوار العربي، خاصة بعد توقيع أكثر من هدنة مع الدول العربية، لكن الشعب الفلسطيني خرج بعد عقدين من ذلك العام بثورته المسلحة، وبعد توقيع اتفاقات السلام مع عدة دول عربية، ها هي إسرائيل تظن بأنه يمكنها أن تتجاوز الشعب الفلسطيني، الذي سيفاجئها مرة أخرى، كما فاجأها من قبل، بقدرته على اجتراح المعجزة.
وما دامت إسرائيل هنا، ونحن هنا، فالأمر بيننا كفلسطينيين وبينهم طال الزمان أم قصر، فلا بد من أن تخرج أميركا من الملف وحتى المنطقة كما سبق لبريطانيا وأن خرجت، وبين إسرائيل والعرب يوجد الفلسطينيون، فالمهم ثانياً، أن ندرك أن الصراع لم ينته ولن يتوقف، لكنه يغيّر شكله وطبيعته، وربّ ضارة نافعة، فإغلاق حل الدولتين، من شأنه أن يعيد توحيد الكل الفلسطيني الذي هو أوسع نطاقاً من الضفة وغزة، وما دام العالم بأسره يتحول إلى مكان لجميع البشر، فإنه لن يكون فيه مكان لمن يقهر الآخرين أو من يؤمن بالعنصرية والتفوق ومن يستأثر لنفسه دون الآخرين إن كان بالقوة أو الحياة أو حتى بالمال.
المصدر : جريدة الأيام