بقلم : رجب أبو سرية
على عكس ما يتعلق بملف إنهاء الانقسام، عاد وفدا «فتح» و»حماس» من القاهرة، دون إبداء الكثير من التصريحات، لا تلك التي تتعلق بما تم تحقيقه في ذلك الملف، ولا حتى بما يوحي باهتمام الجانبين، حيث تبدو مصر راعية الملف كما لو كانت أكثر اهتماماً من طرفي الحالة الفلسطينية الداخلية، وكأنها «تجبرهما» على الإقدام على فعل أمر لا يحبذان القيام به أو أنهما فقدا الأمل في إمكانية تحقيقه، كان الاهتمام بملف التهدئة أو الهدنة بين إسرائيل وحماس.
فاجتماع المكتب السياسي لحركة حماس في غزة بكامل أعضائه تقريباً(باستثناء خالد مشعل)، لأول مرة في تاريخه كان بالأساس من أجل الإجابة على مبادرة نيكولاي ميلادينوف، الموفد الخاص للأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط، ذلك انه على ضوء توجه وفد «حماس» إلى غزة، عقد الكابينت الإسرائيلي اجتماعاً خاصاً، حيث ناقش الجانبان كلاً على حدة بالطبع، المبادرة المذكورة .
وبعد أن لاح أن هناك تقارباً بينهما أو أن كلا منهما يقترب من قبول الخطوط العامة للخطة الأممية، تراجعت إسرائيل فجأة، فيما ردت عليها «حماس» بإعلان قرارات اجتماع مكتبها السياسي التي أكدت على الإطار العام لسياسة الحركة تجاه معظم القضايا السياسية، ومنها بالطبع الإصرار على التعامل مع كل ما يخص ملف جثث الجنود الإسرائيليين والمواطنين الإسرائيليين الأسرى لدى «حماس» باعتباره جزءاً من ملف تبادل الأسرى، ولا يمكن أن يكون مقابل تخفيف الحصار.
ولم يكتف الجانبان، بالإعلان عن أن الاقتراب من المبادرة الأممية، ما زال بعيداً، بل إن إسرائيل عادت لتسخين جبهة الحدود مع قطاع غزة، خاصة حين أقدمت على اغتيال كادري «حماس» عشية إقامة الاحتفال القسامي بتخريج دفعة جديدة من منتسبي الحركة.
المهم في الأمر، بأنه مقابل النجاح الفلسطيني في فرض الانكفاء على «صفقة القرن»، وأقله هو تراجع واشنطن عن تحديد موعد عن إعلانها، رغم أن تفاصيل الصفقة ما زالت متداولة عبر الأعلام، ربما من أجل أن لا يتم إهمالها تماماً، واعتبار أنها قد سقطت نهائياً، مقابل ذلك فإن الكل الفلسطيني ما زال عاجزاً عن إغلاق ملف الانقسام، ومقابل المقترح المصري، الذي أعلن عن تفاصيله ولكن بشكل غير رسمي، فإن رئيس الحكومة، أعلن بأن تمكين الحكومة قد تم تحديده بالسيطرة على جهازي الشرطة والدفاع المدني، ويبدو أن هذا التصريح جاء بهدف اختراق الاستعصاء القائم، وإظهار استعداد السلطة اتخاذ موقف أكثر ليونة، خاصة في ملف الأمن وهو الملف الأصعب على مهمة إنهاء الانقسام.
رغم أن «حماس» لم تنجح بعد في التوصل مع إسرائيل لا لتهدئة عادية ولا إلى هدنة طويلة الأمد، من شأنها كسر الحصار عن قطاع غزة، إلا أن مجرد نجاح مسيرة العودة، في تحريك ملف كسر الحصار، كذلك في إعادة التداول فيما يخص ملف تبادل الأسرى، والتي هي عادة ما تزيد من رصيد «حماس» السياسي، فقد ارتفع سقف خطاب «حماس» تجاه ملف إنهاء الانقسام.
وربما كانت «حماس» وجدت ضالتها في المقترح المصري نفسه الذي سارعت لإعلان موافقتها عليه، ومن ثم جعلت السلطة الفلسطينية في موقف صعب، حيث صارت مطالبة بدورها بإعلان قبولها له، فيما الرفض كان سيكون كارثياً، أما الحديث عن تعديلات فقد أظهر السلطة كما لو كانت هي التي تعرقل هذه المرة المصالحة، خاصة وأن المقترح جاء من مصر راعية ملف إنهاء الانقسام، وليس من أحد طرفيه ولا حتى من قبل جهة تعتبر حليفة أو صديقة لـ «حماس».
رغم ما أعلنته الوزيرة الإسرائيلية عن البيت اليهودي ايليت شاكيد من أنه لا معنى لاتفاقية تهدئة مع «حماس» بدون عودة الجنود ونزع سلاح غزة، والذي بتقديرنا هو الذي أفشل التقدم على طريق التوصل لاتفاق في إطار مبادرة ميلادينوف، إلا أن الأمر لم يغلق تماما بين الجانبين، فأولا الخلاف حول هذه المسألة يدفع التحالف بين الليكود والبيت اليهودي بالذات إلى الانفكاك، بحيث يتم تبكير موعد الانتخابات، خاصة وأن شاكيد وزيرة العدل بالذات، بدأت تظهر كمنافس لبنيامين نتنياهو، وليس نفتالي بينيت، على زعامة اليمين في أية انتخابات برلمانية قادمة.
وثانياً، ربما كان الوضع الداخلي لكلا الطرفين، وإن كنا نظن بأن اجتماع مكتب سياسي «حماس» وما منحه الجناح العسكري من تفويض للجناح السياسي بالموافقة على الصفقة، يشير إلى أن وضع «حماس» الداخلي أكثر نضجاً واستعداداً من الجانب الإسرائيلي، لذا فهو يحتاج لإنضاج، وهذا يكون من خلال الدخول في جولة من المجابهة العسكرية على حدود غزة .
هذا ما يفسر إطلاق «حماس» للبالونات الحارقة مجدداً، وليس في يوم الجمعة، للقول بأنها ليست عاجزة عن الرد، رغم أن إطلاق البالونات ليس هو الرادع للاغتيالات الإسرائيلية، حيث كانت «حماس» ترد عادة بإطلاق الصواريخ، فيما البالونات جاءت في سياق مسيرة العودة، ومع مرور الوقت قامت إسرائيل بإغلاق معبر كرم أبو سالم، للمطالبة بوقف إطلاق البالونات الحارقة والطائرات الورقية.
لقد اتضح بأن إجراءات السلطة من جهة وإغلاق كرم أبو سالم، يجعل من غزة طنجرة ضغط ستنفجر سريعاً، لولا فتح معبر رفح، لذا فإن اليوم الجمعة سيظهر ما سيكون غداً، فربما يتجاوز رد فعل غزة قدرة «حماس» على ضبط خيوطها، بحيث يتم اقتحام الحدود مثلاً، أو إلحاق خسائر بشرية في صفوف الإسرائيليين، حينها لن تعود هناك قدرة على خروج كل من قيادة «حماس» وحكومة نتنياهو من موقعة المواجهة بسلام، أو دون خسائر مباشرة تمس وضعهما السياسي.