رغم تخفيف أو إلغاء إجراءات حظر التجول، والإعلان عن عودة الحياة الى طبيعتها، وإن بشكل تدريجي، في العديد من دول العالم، إلا أن الأمر ما زال محفوفاً بالخطر، بل إن الحياة لم تعد الى طبيعتها، ويبدو أنها لن تعود كما كانت من قبل، ذلك أن انتشار وباء «كورونا» في العالم، سيجري لاحقاً التأريخ له، على اعتبار ان الحياة بعد «كورونا» لم تعد كما كانت قبلها.
في كل عام وفي مثل هذا اليوم المبارك، كان التدافع بين حجيج المسلمين، ورغم إجراءات المملكة السعودية الشرطية الحازمة، يودي بحياة العشرات او حتى المئات من قاصدي بيت الله الحرام، وذلك لأن العدد كان يصل إلى نحو مليونين ونصف مليون حاج، أما هذا العام، فإن التباعد بين الحجيج كان واضحاً، والأداء كان هادئاً، ذلك أن الحديث يدور عن بضعة آلاف فقط، ولو قمنا باستحضار الصورة التي كانت عليها الطقوس العامة، قبل اكثر من شهرين، أي في شهر رمضان المبارك، لأدركنا، بأن «كورونا» أحدث تغييراً في ثقافة الناس، بشكل واضح.
وقد تكون «كورونا» أيضا هي التي دفعت بتلك الحالة من «الفوضى» أو عدم اليقين في السياسة العامة، في غير مكان، فقبل أيام اعلن وزير خارجية اسرائيل غابي اشكنازي، بأنه لم يعد أحد يتحدث عن الضم، بما يوحي بأنه يشير الى منجز حققه حزبه «أزرق_أبيض» الذي كان يفضل تجنب خطوة الضم، على عكس شريكه في الحكم، الليكود، وعلى عكس ما اعتقد الكثير من المتابعين، يبدو أن شراكة الحكم في إسرائيل، التي حدثت بعد ثلاث جولات انتخابية غير حاسمة، والتي جرت بفضل تدخل وضغط الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لم تحقق الاستقرار السياسي لإسرائيل، الضروري توفره، لتنفيذ صفقة ترامب.
وما يعتبره اشكنازي انجازاً، يعتبره الليكود اخفاقاً، يعوض عنه بإجراءات ميدانية محمومة، يتصدرها المستوطنون والجيش معاً، من خلال عمليات الهدم والاقتحام والمصادرة المنفلتة من عقالها، منذ أسابيع، ولعل ثلاثة اسابيع قادمة ستكشف مدى هشاشة حكومة الشراكة الإسرائيلية، التي عجزت حتى الآن عن التوصل الى حل بشأن اقرار ميزانية الدولة.
يبدو أن الليكود يريد التعويض وبالطبع هناك اسباب أخرى، من خلال إقرار ميزانية لعام واحد فقط، فإذا كان «ازرق_ابيض» كان قد وقّع اتفاق الشراكة، مع بند الضم، فإن الليكود وقّع الاتفاق ذاته مع إقرار الميزانية لمدة عامين، وبعد ما اظهره «ازرق_ابيض» من اعتراض على الضم كما كان أعلن نتنياهو، ما أثر سلباً على الموقف الأميركي تجاه الخطوة، فإن الليكود يريد ميزانية لعام واحد، هو عام ولاية نتنياهو حسب اتفاق الشراكة، بحيث يفرض حين انتقال رئاسة الحكومة لبيني غانتس، إقراراً آخر للميزانية، بحيث يمكنه حينها، إما ان يفرض ميزانية ترضيه وترضي حلفاءه وجمهوره، او تكون سبباً في فض الشراكة وعدم تولي غانتس رئاسة الحكومة.
لهذا يتزايد الحديث في إسرائيل عن احتمال متزايد لانتخابات رابعة تؤكد حالة عدم الاستقرار، في ظل موجة ثانية من «كورونا» تجتاح إسرائيل، وكانت سبباً في تحريك شارع اليسار بعد سنوات طويلة من السبات العميق.
ورغم أن حديث الضم لم يعد متداولاً، كما أشار اشكنازي، إلا ان خطة الضم، لم يتم طيها بعد، ولعل الاجتماع القيادي الفلسطيني الذي جرى أول من امس قد ادرك هذه الحقيقة، حين اكد الرئيس محمود عباس، على ضرورة أن تعلن اسرائيل إلغاء الخطة، كمدخل للشروع في تحريك ملف التفاوض عبر مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة، يهدف الى انهاء الاحتلال والانسحاب وفق حدود الرابع من حزيران بتطبيق القرارات الدولية.
ومع حدود متوترة في شمال إسرائيل، مع سورية وحزب الله، تزداد الصورة ضبابية، ذلك أن عدم الاستقرار يمنع تحقيق أي شيء حاسم، في المنطقة، وإذا كان من الطبيعي والحالة هذه القول، بأن الأمور لن تعود الى ما كانت عليه من قبل، فإن تحديد الوجهة التي ستذهب إليها الأمور ليس واضحاً أيضاً.
على الجانب الفلسطيني، كان التراخي في الموقف الإسرائيلي خاصة فيما يتعلق بخطة الضم، سبباً للتخفيف من اندفاعة حركتي فتح وحماس، التي أعقبت لقاء الرجوب_العاروري، وهنا نقصد ما كان قد اعلن عنه من إقامة مهرجان وطني بمشاركة دولية في غزة، وحدد له سقف زمني، وهو ان ينعقد قبل حلول عيد الأضحى، وها هو العيد يحل دون ان ينعقد هذا المهرجان، الذي ترافق الإعلان عن عقده بكثير من اللغط والملاحظات التي انتقدت بالأساس مكان انعقاده في غزة وليس في الضفة المهددة بالضم.
أي أنه ليست اسرائيل وحدها التي تواجه عدم اليقين أو الاستقرار، فاذا كانت اسرائيل عاجزة عن تشكيل حكومة مستقرة، فإن فلسطين ما زالت غير قادرة على وضع حد للانقسام الداخلي، وهذا يؤكد الحالة الراهنة، أي عدم قدرة أحد الطرفين على كسر حدة معادلة اللاحل القائمة، او حالة اللاحرب واللاسلم، كما كان يقال قبل سنين في وصف العلاقة العربية_الإسرائيلية، الى أن جاءت انتفاضة العلم 1987، فغيرت المعادلة، ونتج عنها تحقيق اتفاقيتي سلام بين اسرائيل وكل من (م ت ف) والأردن.
المشكلة التي يبدو أن فيروساً لا يرى بالعين المجردة، قد كشف كنهها، لا تقتصر لا على الشرق الأوسط، ولا على جانبي خط التماس بين فلسطين وإسرائيل، وحسب، بل تشمل العالم بأسره، ولا تمس حقول السياسة وحسب، بل تشمل الاقتصاد أيضا، فالعالم كله، على عتبة تغير كلي، يترقب ما سيكون عليه عالم ما بعد «كورونا»، ذلك أن التعايش مع «كورونا» من خلال إجراءات التحفيف من الحظر الاجتماعي، ما هو إلا فترة انتقالية، سيتجاوزها العالم بعد أشهر، أي حين ينجح في إنتاج العلاجات الشافية، حينها، ستتضح صورة العالم بأسره، والتي نكاد نجزم بأنها لن تكون هي نفسها التي كانت عليها من قبل، فهل ستبقى أميركا وحيدة سيدة العالم، تقوده كما تشاء، أم أن عرشها الذي يهتز حالياً، سيسقط، لصالح نظام عالمي مختلف؟!
قد يهمك أيضا :
بـيـت الـعـنـكـبـوت
إسـرائـيـل دون نـتـنـيـاهـو