بقلم :رجب أبو سرية
فجأة، وبعد أن لاحت بارقة أمل فيما يخص ملف إنهاء الانقسام الداخلي، لفّ الغموض حقيقة ما حدث في القاهرة، بعد أن قام وفد حركة فتح بتسليم رد الحركة على المقترح المصري الأخير، ومن ثم غادر القاهرة، دون أن يلتقي وفد حركة حماس، لا بشكل ثنائي ولا حتى ضمن مؤتمر صحافي مشترك مع الراعي المصري، بما يعني بأن ما سبق وأن أعلنته حركة حماس من موافقة على المقترح المصري، لم يعنِ أن إجراءات تنفيذ اتفاقات المصالحة قد عادت مجدداً، بعد أن توقفت في آذار الماضي، وهذا لا يعني بالضرورة "انهيار" المحادثات في القاهرة كما ادعى الإعلام العبري، لكنه أيضاً لا يعني أن الرد الفتحاوي قد أعطى موافقة صريحة ونهائية كما كان حال الرد الحمساوي على المقترح المصري الأخير، وبذلك فإن موقفا آخر أو أخير بات مطلوباً على الأغلب من "حماس" بالخصوص.
أغلب الظن بأن الرد الفتحاوي قد تضمن وجاهة لدى الراعي المصري، الذي بتكتمه على إعلان الموقف تجاه الأمر زاد من غموض حقيقة الموقف، فيما الإجراءات التالية لدى طرفي المعادلة السياسية الداخلية، تكاد تشي بشيء ما، فقد صدر مرسوم رئاسي بتعيين نبيل أبو ردينة نائباً لرئيس الحكومة، وزيراً للإعلام، بما يعني أولا_ تمسك حركة فتح بحكومة التوافق برئاسة الدكتور رامي الحمد الله، وثانيا_ تعزيز تأثير الحركة داخل الحكومة، بعد أن كان كل من رئيسها ونائبه مستقلين، أو من عداد التكنوقراط، وثالثاً_ إذا ما أضفنا الإعلان الرسمي عن عقد المجلس المركزي، كرد على مطالبات بعض الفصائل عقد جلسة مجلس وطني "توحيدية جديدة"، فإن ذلك كله يعني تمسك حركة فتح بتنفيذ اتفاق المصالحة دون تعديل أو إضافة كما جاء في عامي 2011 وتشرين الماضي 2017 .
ثم جاءت زيارة وفد حماس/الخارج الذي شارك بلقاء الحركة قبل أيام مع المخابرات المصرية، ليعني بأن "حماس" إزاء اتخاذ موقف سياسي ربما يكون حاسماً، من خلال جمع الثنائي القيادي في الحركة، أي فرع الداخل المقيم بغزة وفرع الخارج .
المثير للاهتمام بهذا الصدد هو ما أعلن عن ضمانة مصرية ومن قبل نيكولاي ميلادينوف، لحياة قادة الوفد، نائبي رئيس الحركة كل من صالح العاروري وموسى أبو مرزوق ورفاقهما، عند دخولهم قطاع غزة، حيث سبق لأبو مرزوق الغزاوي أصلاً أن زار غزة، فيما كانت زيارة العاروري، ربما هي الأولى، وبالتأكيد هي كذلك بصفته النائب الأول لرئيس الحركة، في ظل وجود رئيس الحركة ورئيس مكتبها السياسي في قطاع غزة كمقيمين فيها، فإذا كانت إسرائيل لم تستهدف حياة كل من الشيخ إسماعيل هنية والشيخ يحيى السنوار، فلماذا ستستهدف حياة العاروري وأبو مرزوق؟
عموماً ليس هذا هو الشيء المهم، فالمهم أولا أن يدخل ميلادينوف على الخط بهذا الشكل وبهذه القوة وبهذا الاستمرار، بما يعني أن محاولته لإيجاد حل إنساني/سياسي لقطاع غزة ما زال قائماً، بل وإن هناك مؤشرات حقيقية لنجاحه، وثانياً، هذا يعني بأن ما ستبحثه القيادة الحمساوية مجتمعة ليس ملف المصالحة وحسب، وإلا لاكتفى وفدها المشكل من الداخل والخارج باللقاء في القاهرة، خاصةً وأن وفدها، الخارج من غزة بالتأكيد مخول لاتخاذ القرار، بعد أن أعلنت الحركة موافقتها على المقترح المصري.
لكن وربما لأن موقفاً جديداً مبنياً على الرد الفتحاوي عاد مطلوباً من حماس، لذا كان لابد من اجتماع جناحي الخارج والداخل في قيادة حماس، وبشكل سريع لا يحتمل الكثير من الوقت، ذلك أن وفد الخارج بالتأكيد سيعود بعد أيام قليلة إلى القاهرة الممر الإجباري لعودة أعضائه إلى مقار إقامتهم بالخارج، إن كانت في بيروت أو الدوحة أو غيرهما.
أغلب الظن بأن التزاوج بين ملفي إنهاء الانقسام وفق المقترح التنفيذي المصري، ومبادرة ميلادينوف، والذي جاء في بعض جوانبه كورقة ضغط على السلطة وحركة فتح، التي كانت في موقف أفضل من حماس فيما يخص تنفيذ المصالحة بعد آذار الماضي، هو الذي أجّل الإعلان عن تجديد الشروع في تنفيذ إجراءات المصالحة، بتجاوز واقعة منتصف آذار، كذلك فإن مصادفة كون اليوم التالي لوصول وفد حماس بغزة، هو يوم الجمعة، حيث سيتضح موقف حماس من الاستمرار في اطلاق البالونات الحارقة من عدمه، وإذا ما كان ذلك مؤشراً على تغيير موقف الحركة من مبادرة ميلادينوف أم لا.
على أي حال فإن غدا لناظره قريب، ويبدو أن لحظة الحقيقة قد ألقيت في وجه حماس، فهي مطالبة بإعلان الموقف الصريح والواضح، فيما يتعلق باستعدادها لتسليم غزة للسلطة الفلسطينية، وفيما يخص استعدادها، لعقد اتفاق هدنة طويل الأمد مع إسرائيل، وليس الاستمرار في حالة التهدئة القائمة، بما يعني بأن حماس فعلا أمام لحظة تاريخية ستحدد مستقبل معقل وجودها الأهم، ونقصد وجودها وليس فقط سيطرتها على قطاع غزة .
هل حماس ستكون مستعدة لتسليم غزة للسلطة بشكل كامل وحقيقي، يشمل تسليم الجباية وتوحيد القضاء وتنظيم السلاح، ومغادرة حالة التردد والبقاء في مربع الشراكة بيد والانفراد باليد الأخرى، وهل هي على استعداد لرسم "علاقة" طويلة الأمد مع إسرائيل، ومغادرة موقع انتظار المستجد من المواقف أو الترتيبات الإقليمية، خاصة وأن الوقت لم يعد يسمح، وأن حالة اللاوحدة واللاانفصال، كذلك حالة التهدئة التي تعني اللاسلم واللاحرب، لم تعد ممكنة الاستمرار.
كانت هذه الحالة مفضلة طوال الوقت الذي مضى لحماس، لذا فإن تجاوزها بحاجة إلى توحيد الموقف الحركي، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، وفي السياسة لا تجري الأمور لا بالفهلوة السياسية وليس وفق رغبتك وحدك، لذا فإن حسبة حماس هذه المرة يجب أن لا تكون لا حسبة آنية ولا مؤقتة ولا حسبة جمع موقف بين جناحيها القياديين، بل موقفاً استراتيجياً مسؤولاً، يغلب المصلحة الوطنية والشعبية على حسابات الأجنحة الحزبية، بل وعلى مصلحة الفصيل كله.