بقلم : رجب أبو سرية
بمجرد أن أعلنت حركتا فتح وحماس، عن توحيد الموقف في مواجهة قرار الضم الإسرائيلي، حتى قامت قيامة الإسرائيليين ولم تقعد، وحتى بدأ الحديث عن أن إعلان قرار الضم قد يمتد الى ما بعد شهر الى شهر ونصف، وذلك بعد أن نجح الجهد الفلسطيني وهو ليس في أحسن حالاته، أي أنه ما زال في ظل الانقسام، في إجبار بنيامين نتنياهو على الصمت يوم الأول من تموز الجاري، وعلى أن يتبلع لسانه، وينتظر موقف واشنطن، ليزداد الضغط عليه من حليفه في الحكومة بيني غانتس، الذي كان قد منحه باتفاق الشراكة الحكومي، الحق في أن يعلن في أول تموز عن قرار الضم، والذي رغم أن استطلاعات الرأي تمنحه عدداً قليلاً جداً من المقاعد، الا أنه تجرأ على تحدي نتنياهو بالقول، إنه قد خاض ثلاثة انتخابات ضد خصم الأمس، الشريك المناكف اليوم، ولن يخشى انتخابات رابعة.
كما سبق لنا وقلنا في مقالنا السابق هنا، بأن الكفاح السياسي/الدبلوماسي الفلسطيني قد نجح بجولة أولى في أن يفرض على نتتياهو أن لا يعلن الضم في اليوم المحدد، رغم الضغوط المضادة من طرف اليمين الصهيوني والمستوطنين وحتى من قبل بعض جنرالات الجيش، وبعض نواب وشيوخ الكونغرس الأميركي، بل وبالرغم من ضغط كل من وزير الخارجية مايك بومبيو والسفير في تل ابيب ديفيد فريدمان، وكل ذلك قبل أن يعقد كل من الأخوين، جبريل رجوب امين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، وصالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس مؤتمرهما الصحافي المشترك والمبارك من قبل الكل الوطني، ليعلن انخراط الحركتين معا في أتون مواجهة قرار الضم.
فإذا كان مجرد إعلان توحيد الموقف الميداني، أي وحدة إطلاق الاحتجاج الشعبي والتوحد في ميدان مواجهة جحافل المستوطنين، قد أحدث كل هذه الرعب في الجانب الإسرائيلي، فماذا سيحدث اذاً في حال إنهاء الانقسام فعلياً ورسمياً، وكلياً، والتوحد الجبهوي الفصائلي والرسمي، فجهود «حماس» أيضاً مهمة فيما يخص حراك الجاليات الفلسطينية، وعلى الصعيدين العربي والدولي، وكذلك يمكنها ان تدعم الجهود الدبلوماسية بكفاءاتها وكوادرها، ايضا فيما يتعلق بخوض معركة القضاء الدولي، بتقديم عرائض الاتهام ضد جنرالات الجيش ومتخذي قرارات الحرب الإسرائليين المتورطين في ارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.
المهم أن حديث «كورونا» قد تقدم عند غانتس على حديث الضم، فيما يواصل دونالد ترامب تراجع مكانته في استطلاعات الرأي وهو ذاهب الى انتخابات صعبة، من المحتمل جدا أن يخسرها، حيث ما زالت اميركا عالقة بـ «كورونا» كأسوأ دولة تصاب به، فالصين تجاوزته سريعاً، وها هي اوروبا تتعافى منه، وحدها اميركا ما زالت تقدم العدد الأكبر من الوفيات والإصابات، كذلك ما زالت المظاهرات المنددة بالتطرف الأميركي فيما يخص ملف التمييز الaعنصري، خاصة في أوساط الشرطة، متواصلة رغم مرور اكثر من ستة أسابيع على مصرع المواطن الأميركي من الأصل الأفريقي جورج فلويد، وكل هذا يهدد بطرد ترامب من البيت الأبيض .
حقيقة الأمر أن كلاً من إسرائيل وأميركا وصلتا الى ذروة التطرف اليميني مع وجود نتنياهو ومعكسر اليمين في الحكم بشكل متواصل منذ عقدين، ومع وجود ترامب وطاقم يميني صهيوني في البيت الأبيض، وهذا يعني بأنه ليس فقط الشعب الفلسطيني، ولا العالم بمعظمه، بل ان جموعاً متزايدة من كلا الشعبين الأميركي والإسرائيلي قد باتت تضيق ذرعاً بهؤلاء، حيث انهما يسيران عكس حركة العالم المتحول بشكل سريع والمتطور، والذي بات يفكر جدياً في تغيير النظام العالمي الذي أقيم بعد انتهاء الحرب الباردة، اي منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، أي منذ ثلاثين عاماً.
وهذا يعني بأن النصر إنما هو صبر ساعة حقاً، وقد أحسنت القيادة الفلسطينية صنعاً وموقفاً، حين رفضت صفقة القرن، وحين تحدت ترامب، وحين شمرت عن ساعديها، وانطلقت تحرك العالم الذي كان قد غط في سبات عميق، بعد أن اعلن نتنياهو نيته في اتخاذ قرار الضم في اول تموز، اي قبل ذلك اليوم بأسابيع، وكان يظن بأن الإعلان المبكر سيهيئ المنطقة والعالم لاستقبال ذلك الإعلان دون رد فعل يمكنه أن يعطل ترجمته على الأرض، والأهم حين ضبطت أعصابها، وحددت شكل المواجهة في ان يكون متدرجاً، ومتوازياً، متدرجاً من حيث إطلاق التظاهرات قبل الإعلان لتهيئة الشارع للاشتباك بوم الاعلان، وفي ترافق الضغط الشعبي الميداني مع التحرك السياسي والدبلوماسي معاً وفي آن واحد، بما ساهم في انخراط اوسع اطار سياسي عالمي، اوروبي خاصة في التمترس أولاً بالموقف المضاد لإعلان الضم ورفضه، ثم في تصاعد الموقف، ليتحول الى فعل وعقاب متعدد، اقتصادي وسياسي، وبما يصل لمواجهة إعلان الضم بإعلان الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 67 .
يمكن القول إن التطرف الذي اجتاح المنطقة، وساعد إسرائيل كثيراً، في التخلص من أنظمة عربية معادية لها، وفي إضعاف نفوذ دول إقليمية تناصبها العداء، مقابل تقرب أنظمة عربية لإسرائيل والتقدم معها في ملف التطبيع، قد بدأ يتلاشى، فهو انهزم في اكثر من مكان، منها سورية والعراق بعد اندحار داعش، ولا يظهر إلا بشكل طفيف في بعض المناطق، والاعتدال في الدول العربية، يسحب من يد إسرائيل مبرر إبقائها على اليمين المتطرف في الحكم، ورغم وجود خلافات في الحالة الفلسطينية، الا أنها خلافات سياسية، لا وجود للتطرف فيها، ومع مرور الوقت بدأت «حماس» تبدي خبرة سياسية، كذلك اعتدالاً سياسياً، بعد فشل إخوان المنطقة، والتطرف عموماً في البقاء، المهم ان التطرف الإسرائيلي، الذي وقف عند حافة إعلان الضم، قد دفع الفلسطينيين الى التوحد الميداني، بما يؤكد بان إطلاق الانتفاضة في مواجهة الضم كان امراً شبه مؤكد، خاصة بعد ان ظهر جلياً بأن القيادة الفلسطينية جادة تماماً هذه المرة في تحطيم الأدوات، وأن الانسحاب من الاتفاقيات و»أوسلو»، جدي، عبر تسليم مفاتيح السلطة للاحتلال في نفس اللحظة التي يعلن فيها قرار الضم.
نرجح بأن إعلان الضم لن يكون لا بعد شهر ولا شهرين، وان سقوط ترامب سيفتح الباب لإسقاط نتنياهو، وبذلك سيكون العام القادم مختلفاً تماماً عن هذا العام وعن كل الأعوام التي سبقته.